responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 2  صفحه : 198
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، كَسَائِرِ الرُّخَصِ. وَقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ: «قُلْت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] ، فَقَالَ عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَلَيْسَ بِعَزِيمَةٍ، وَأَنَّهَا مَقْصُورَةٌ. وَرَوَى الْأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ، فَأَفْطَرَ وَصُمْت، وَقَصَرَ وَأَتْمَمْت، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَفْطَرْت وَصُمْت، وَقَصَرْت وَأَتْمَمْت. فَقَالَ: أَحْسَنْت» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ ". وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ. وَلِأَنَّهُ لَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ صَلَّى أَرْبَعًا، وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ، وَالصَّلَاةُ لَا تَزِيدُ بِالِائْتِمَامِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَفِي إجْمَاعِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْمُقِيمِينَ، فَأَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعٌ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، إذْ لَوْ كَانَ فَرْضُهُ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرْبَعٌ بِحَالٍ.
وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَيَقْصُرُ» . وَعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا - أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُسَافِرُ، فَيُتِمُّ بَعْضُنَا، وَيَقْصُرُ بَعْضُنَا، وَيَصُومُ بَعْضُنَا، وَيُفْطِرُ بَعْضُنَا، فَلَا يَعِيبُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَلَمْ يُنْكِرْ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُتِمُّ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ
وَأَتَمَّهَا عُثْمَانُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعْدٌ. وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَتْ عَائِشَةُ وَسَعْدٌ يُوفِيَانِ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ، وَيَصُومَانِ، وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدٍ، أَنَّهُ أَقَامَ بِعَمَّانَ شَهْرَيْنِ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي أَرْبَعًا. وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ سَعْدٍ بِبَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُهَا سَعْدٌ وَنُتِمُّهَا. وَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجُلٌ، فَقَالَ: كُنْت أُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ. فَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ.
فَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ. فَإِنَّمَا أَرَادَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِهَا كَانَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُتِمَّتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، فَصَارَتْ أَرْبَعًا. وَقَدْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ حِينَ شَرَحَتْ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ، وَلَوْ اعْتَقَدَتْ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ لَمْ تُتِمَّ.
وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ قَوْلِهَا، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ فَرْضِ الصَّلَاةِ فِي سِنِّ مَنْ يَعْقِلُ الْأَحْكَامَ، وَيَعْرِفُ حَقَائِقَهَا، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، أَوْ كَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا، فَإِنَّهَا فُرِضَتْ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ حِينَ مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 2  صفحه : 198
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست