responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 10  صفحه : 182
التَّمَكُّنُ مِنْ نَفْسِهِ، وَبَذْلُهَا لِلْمُسْتَحِقِّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَتَوْبَتُهُ أَيْضًا بِالنَّدَمِ، وَالْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَهِرْ عَنْهُ، فَالْأَوْلَى لَهُ سَتْرُ نَفْسِهِ، وَالتَّوْبَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ» .
فَإِنَّ الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ بِالزِّنَى، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً مَشْهُورَةً، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْأَوْلَى الْإِقْرَارُ بِهِ، لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَشْهُورًا، فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ تَرْكَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّضَ لِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ؛ فَعَرَّضَ لَمَاعِزٍ، وَلِلْمُقِرِّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ بِالرُّجُوعِ، مَعَ اشْتِهَارِهِ عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَكَرِهَ الْإِقْرَارَ، حَتَّى إنَّهُ قِيلَ: لَمَّا قَطَعَ السَّارِقَ: كَأَنَّمَا أُسِفَّ وَجْهُهُ رَمَادًا.
وَلَمْ يَرِدْ الْأَمْرُ بِالْإِقْرَارِ، وَلَا الْحَثُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ قِيَاسٌ، إنَّمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالسَّتْرِ، وَالِاسْتِتَارِ، وَالتَّعْرِيضِ لِلْمُقِرِّ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ. وَقَالَ لِهَزَّالٍ، وَكَانَ هُوَ الَّذِي أَمَرَ مَاعِزًا بِالْإِقْرَارِ: «يَا هَزَّالُ، لَوْ سَتَرْته بِثَوْبِك، كَانَ خَيْرًا لَك» .
وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: تَوْبَةُ هَذَا إقْرَارُهُ لِيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ التَّوْبَةَ تُوجَدُ حَقِيقَتُهَا بِدُونِ الْإِقْرَارِ، وَهِيَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ، مَعَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَتَرْكِ الْإِصْرَارِ. وَأَمَّا الْبِدْعَةُ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا، وَالرُّجُوعِ عَنْهَا، وَاعْتِقَادِ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ مِنْهَا.

نام کتاب : المغني نویسنده : ابن قدامة المقدسي    جلد : 10  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست