responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 13  صفحه : 96
وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِهِ لَقَدَرَ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ فَيَرُدُّهَا إِلَى الشَّبَابِ بَعْدَ الْهِرَمِ، وَإِلَى الْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ وَيَدْفَعُ الْمَوْتَ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَ مِنَ الْمُخَلَّدِينَ وَبَايَنَ جَمِيعَ الْمَخْلُوقِينَ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ جَمِيعِ الْحَقَائِقِ، وَأَنْ لَا يَقَعَ فَرْقٌ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَجَازَ أَنْ تَكُونَ جَمِيعُ الأجسام مما قلبت السَّحَرَةُ أَعْيَانَهَا، فَيَكُونُ الْحِمَارُ إِنْسَانًا وَالْإِنْسَانُ حِمَارًا فَإِذَا وَضَحَتِ اسْتِحَالَةُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا ذَكَرْنَا، فَالَّذِي يُؤَثِّرُهُ السِّحْرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ - أَنْ يُوَسْوِسَ وَيُمْرِضَ وَرُبَّمَا قَتَلَ، لِأَنَّ السِّحْرَ تَخْيِيلٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وَالتَّخْيِيلُ بَدْوُ الْوَسْوَسَةِ وَالْوَسْوَسَةُ بَدْوُ الْمَرَضِ وَالْمَرَضُ بَدْوُ التَّلَفِ - فَإِذَا قَوِيَ التَّخْيِيلُ حَدَثَ عَنْهُ الْوَسْوَسَةُ، وَإِذَا قَوِيَتِ الْوَسْوَسَةُ حَدَثَ عَنْهَا الْمَرَضُ، وَإِذَا قَوِيَ الْمَرَضُ حَدَثَ عَنْهُ التَّلَفُ، فَيَكُونُ أَوَّلُ مَبَادِئِهِ التَّخْيِيلَ ثُمَّ الْوَسْوَسَةَ ثُمَّ الْمَرَضَ ثُمَّ التَّلَفَ وهو غايته فهذه آثار السِّحْرِ.

(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ، وَهُوَ أَحْكَامُ السِّحْرِ فَيَشْتَمِلُ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: حُكْمُ السَّاحِرِ.
وَالثَّانِي: حُكْمُ تَعَلُّمِ السِّحْرِ. فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ السَّاحِرِ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ - فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ - إِلَى أَنَّهُ كَافِرٌ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَمْ يَقْطَعَا بِكُفْرِهِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - إِنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالسِّحْرِ وَلَا يَجِبُ بِهِ قَتْلُهُ وَيُسْأَلُ عَنْهُ، فَإِنِ اعْتَرَفَ مَعَهُ بِمَا يُوجِبُ كُفْرَهُ وَإِبَاحَةَ دَمِهِ كَانَ كَافِرًا بِمُعْتَقَدِهِ لَا بِسِحْرِهِ وَكَذَلِكَ لَوِ اعْتَقَدَ إِبَاحَةَ السِّحْرِ صار كافراً باعتقاد إباحته لا بفعل فَيُقْتَلُ حِينَئِذٍ بِمَا انْضَمَّ إِلَى السِّحْرِ لَا بِالسِّحْرِ بَعْدَ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فَلَا يَتُوبُ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ بِهِ الْقَتْلَ بِرِوَايَةِ الْحَسَنُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ يَعْنِي بِهِ الْقَتْلَ، وَبِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ بَجَالَةَ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ إِجْمَاعٌ وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ جَارِيَةً لِحَفْصَةَ سَحَرَتْ حَفْصَةَ فَبَعَثَتْ بِهَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ فَقَتَلَهَا وَلِأَنَّ السَّاحِرَ يُضَاهِي بِسِحْرِهِ أَفْعَالَ الْخَالِقِ وَمِثْلَ هَذَا كُفْرٌ يُوجِبُ الْقَتْلَ.
وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مَنْ قَالَهَا مِنْ سَاحِرٍ وَغَيْرِ سَاحِرٍ. وَلِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ أَعْصَمَ الْيَهُودِيَّ حَلِيفَ بَنِي زُرَيْقٍ قَدْ سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَهُوَ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّحَرَةِ فَمَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ وَلَوْ وَجَبَ قَتْلُهُمْ لَمَا أَضَاعَ حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرِضَتْ فَسَأَلَ بَعْضُ بَنِي أَخِيهَا طَبِيبًا مِنَ الزُّطِّ عَنْ مَرَضِهَا فَقَالَ: هَذِهِ امْرَأَةٌ سَحَرَتْهَا أَمَتُهَا فَسَأَلَتْ

نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 13  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست