responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 13  صفحه : 95
الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى أزل اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْهُ وَعَصَمَهُ مِنْهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَرْسَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى خَيْبَرَ لِأُقَسِّمَ ثِمَارَهَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَسَحَرُونِي فَتَكَوَّعَتْ بيدي فَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ عَنِ الْحِجَازِ، فَلَوْلَا أَنَّ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةً وَتَأَثُّرًا لَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَانْتَشَرَ فِي الْكَافَّةِ وَلَمَا أَجْلَاهُمْ عُمَرُ مِنْ دِيَارِهِمْ وَلَرَاجَعَتْهُ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ كَمَا رَاجَعُوهُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ الْمُحْتَمَلَةِ.
وَقَدْ رَوَى بَجَالَةُ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُعْجِزَةَ مُوسَى فِي الْعَصَا لِكَثْرَةِ السِّحْرِ فِي زَمَانِهِ وَمُعْجِزَةَ عِيسَى بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى لِكَثْرَةِ الطِّبِّ فِي زَمَانِهِ وَمُعْجِزَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقُرْآنَ لِكَثْرَةِ الْفُصَحَاءِ فِي زَمَانِهِ.
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسِّحْرِ حَقِيقَةٌ، كَمَا لِلطِّبِّ وَالْفَصَاحَةِ حَقِيقَةٌ، لَضَعُفَتْ مُعْجِزَةُ مُوسَى فِي عُلُوِّهِ عَلَى السَّحَرَةِ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَيْسَ لِدَفْعِ مَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ تَأْثِيرٌ، وَإِنَّمَا التأثير في دفع ماله تَأْثِيرٌ كَمَا كَانَ لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى تَأْثِيرٌ عَلَى الطِّبِّ وَلِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ عَلَى فَصَاحَةِ الْكَلَامِ تَأْثِيرٌ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ، فَهُوَ أَنَّ حَقِيقَةَ السِّحْرِ آثَارُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِأَفْعَالِ السِّحْرِ حَقِيقَةٌ وَقَدْ أَثَّرَ سِحْرُهُمْ فِي مُوسَى مَا أَوْجَسَهُ مِنَ الْخَوْفِ فِي نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا فِيهِ خَرْقُ الْعَادَاتِ وَإِبْطَالُ الْمُعْجِزَاتِ، فَهُوَ خَرْقُ الْعَادَاتِ فِي غَيْرِ السَّحَرَةِ وَلَيْسَ بِخَرْقِ الْعَادَاتِ فِي السَّحَرَةِ كَمَا أَنَّ الشَّعْبَذَةَ خَرْقُ الْعَادَاتِ فِي غَيْرِ الْمُتَشَعْبِذَةِ وَلَيْسَ بِخَرْقِ الْعَادَاتِ فِي الْمُتَشَعْبِذَةِ وَلَيْسَ فِيهِ إِبْطَالُ الْمُعْجِزَاتِ، لِأَنَّ الشَّعْبَذَةَ فِي خَرْقِ الْعَادَاتِ كَالسِّحْرِ وَلَيْسَ فِيهَا إِبْطَالُ الْمُعْجِزَاتِ، فَكَذَلِكَ السِّحْرُ، لِأَنَّ خَرْقَ الْعَادَاتِ بِالْمُعْجِزَاتِ مُخَالِفٌ لِخَرْقِهَا بِالسِّحْرِ وَالشَّعْبَذَةِ، لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُعْجِزَاتِ حَقِيقَةٌ وَأَفْعَالَ السَّحَرَةِ مُسْتَحِيلَةٌ لِأَنَّ مُوسَى لَمَّا فَلَقَ الْبَحْرَ ظَهَرَتْ أَرْضُهُ حَتَّى سَارَ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمُهُ عَلَى الْيَابِسِ، وَلَمَّا أَلْقَى السَّحَرَةُ حِبَالَهُمْ حَتَّى ظَنَّهَا النَّاظِرُ حَيَّاتٍ ظَهَرَ اسْتِحَالَتُهَا وَعَادَتْ إِلَى حَالِهَا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْعِصْمَةِ.

(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ تَأْثِيرُ السِّحْرِ.
فَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ ضَعُفَتْ فِي الْعِلْمِ مَخَابِرُهُمْ، وَقَلَّتْ فِيهِ مَعْرِفَتُهُمْ إِلَى أَنَّ السَّاحِرَ قَدْ يَقْلِبُ بِسِحْرِهِ الْأَعْيَانَ، وَيُحَدِثُ بِهِ الْأَجْسَامَ، وَيَجْعَلُ الْإِنْسَانَ حِمَارًا بِحَسَبَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ السِّحْرِ وَضَعْفِهِ، وَهَذَا وَاضِحُ الِاسْتِحَالَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا لَصَارَ خَالِقًا وَهُوَ مَخْلُوقٌ وَرَازِقًا وَهُوَ مَرْزُوقٌ وَرَبًّا وَهُوَ مَرْبُوبٌ، وَشَارَكَ اللَّهَ تَعَالَى فِي قُدْرَتِهِ وَعَارَضَهُ في حكمته.

نام کتاب : الحاوي الكبير نویسنده : الماوردي    جلد : 13  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست