responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 4  صفحه : 211
إِنَّ الْقَسَامَةَ الْقَوَدُ بِهَا حَقٌّ قَدْ أَقَادَ بِهَا الْخُلَفَاءُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ؟ وَنَصَّبَنِي لِلنَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عِنْدَكَ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَرُؤَسَاءُ الْأَجْنَادِ، أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ رَجُلًا شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ زَنَى بِدِمَشْقَ، وَلَمْ يَرَوْهُ - أَكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ خَمْسِينَ رَجُلًا شَهِدُوا عِنْدَكَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ بِحِمْصَ، وَلَمْ يَرَوْهُ - أَكُنْتَ تَقْطَعُهُ؟ قَالَ: لَا.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: قُلْتُ: فَمَا بَالُهُمْ إِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِأَرْضِ كَذَا، وَهُمْ عِنْدَكَ - أَقَدْتَ بِشَهَادَتِهِمْ؟ قَالَ: فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الْقَسَامَةِ: إِنَّهُمْ إِنْ أَقَامُوا شَاهِدَيْ عَدْلٍ أَنَّ فَلَانًا قَتَلَهُ فَأَقِدْهُ، وَلَا يُقْتَلُ بِشَهَادَةِ الْخَمْسِينَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا.
قَالُوا: وَمِنْهَا أَنَّ مِنَ الْأُصُولِ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَيْسَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِشَاطَةِ الدِّمَاءِ. وَمِنْهَا أَنَّ مِنَ الْأُصُولِ " أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ ".
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكَمَ بِالْقَسَامَةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ حُكْمًا جَاهِلِيًّا، فَتَلَطَّفَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُرِيَهُمْ كَيْفَ لَا يَلْزَمُ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى أُصُولِ الْإِسْلَامِ؟ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ: «أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا (أَعْنِي: لِوُلَاةِ الدَّمِ، وَهُمُ الْأَنْصَارُ) ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَحْلِفُ، وَلَمْ نُشَاهِدْ؟ قَالَ: فَيَحْلِفُ لَكُمُ الْيَهُودُ؟ قَالُوا: كَيْفَ نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟» قَالُوا: فَلَوْ كَانَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَحْلِفُوا وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا لَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ السُّنَّةُ.
قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ غَيْرَ نَصٍّ فِي الْقَضَاءِ بِالْقَسَامَةِ، وَالتَّأْوِيلُ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَصَرْفُهَا بِالتَّأْوِيلِ إِلَى الْأُصُولِ أَوْلَى. وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِهَا وَبِخَاصَّةٍ مَالِكٌ فَرَأَى أَنَّ سُنَّةَ الْقَسَامَةِ سُنَّةٌ مُنْفَرِدَةٌ بِنَفْسِهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْأُصُولِ كَسَائِرِ السُّنَنِ الْمُخَصِّصَةِ.
وَزَعَمَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ حَوْطَةُ الدِّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَتْلَ لَمَّا كَانَ يَكْثُرُ، وَكَانَ يَقِلُّ قِيَامُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِ الْقَاتِلِ إِنَّمَا يَتَحَرَّى بِالْقَتْلِ مَوَاضِعَ الْخَلَوَاتِ - جُعِلَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ حِفْظًا لِلدِّمَاءِ. لَكِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالسُّرَّاقِ، وَذَلِكَ أَنَّ السَّارِقَ تَعَسَّرَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ، فَلِهَذَا أَجَازَ مَالِكٌ شَهَادَةَ الْمَسْلُوبِينَ عَلَى السَّالِبِينَ مَعَ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِلْأُصُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَسْلُوبِينَ مُدَّعُونَ عَلَى سَلْبِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ فِيمَا يَجِبُ بِهَا، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يُسْتَحَقُّ بِهَا الدَّمُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ: تُسْتَحَقُّ بِهَا الدِّيَةُ فَقَطْ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا إِلَّا دَفْعُ الدَّعْوَى عَلَى الْأَصْلِ فِي أَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَغْرَمُ الدِّيَةَ. فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ مِنْهَا دَفْعُ الْقَوَدِ فَقَطْ، فَيَكُونُ فِيهَا يَسْتَحِقُّ الْمُقْسِمُونَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ.
فَعُمْدَةُ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَفِيهِ:

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 4  صفحه : 211
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست