responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 3  صفحه : 26
وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ: حُجَّةُ الْحِجَازِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ السَّمْعِ أَقْوَى، وَحُجَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ أَظْهَرُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا كَمَا قَالُوا فَيَرْجِعُ الْخِلَافُ إِلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَغْلِيبِ الْأَثَرِ عَلَى الْقِيَاسِ، أَوْ تَغْلِيبِ الْقِيَاسِ عَلَى الْأَثَرِ إِذَا تَعَارَضَا، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْأَثَرَ إِذَا كَانَ نَصًّا ثَابِتًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يُغَلَّبَ عَلَى الْقِيَاسِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لِلتَّأْوِيلِ فَهُنَا يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ، هَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُتَأَوَّلَ اللَّفْظُ؟ أَوْ يُغَلَّبَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ؟
وَذَلِكَ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ قُوَّةِ لَفْظٍ مِنَ الْأَلْفَاظِ الظَّاهِرَةِ، وَقُوَّةِ قِيَاسٍ مِنَ الْقِيَاسَاتِ الَّتِي تُقَابِلُهَا، وَلَا يُدْرَكُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالذَّوْقِ الْعَقْلِيِّ كَمَا يُدْرَكُ الْمَوْزُونُ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْزُونِ، وَرُبَّمَا كَانَ الذَّوْقَانِ عَلَى التَّسَاوِي، وَلِذَلِكَ كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا النَّوْعِ حَتَّى قَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالَّذِي يُظْهِرُ لِي - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، وَإِنْ كَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَدْرُ الْمُسْكِرُ لَا الْجِنْسُ الْمُسْكِرُ، فَإِنَّ ظُهُورَهُ فِي تَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِالْجِنْسِ أَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ بِالْقَدْرِ؛ لِمَكَانِ مُعَارَضَةِ ذَلِكَ الْقِيَاسِ لَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ الْكُوفِيُّونَ، فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُحَرِّمَ الشَّارِعُ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَكَثِيرَهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَتَغْلِيظًا، مَعَ أَنَّ الضَّرَرَ إِنَّمَا يُوجَدُ فِي الْكَثِيرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَالِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِي الْخَمْرِ الْجِنْسَ دُونَ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ، فَوَجَبَ كُلُّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ عِلَّةُ الْخَمْرِ أَنْ يُلْحَقَ بِالْخَمْرِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى مَنْ زَعَمَ وُجُودَ الْفَرْقِ إِقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ، هَذَا إِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا لَنَا صِحَّةَ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . فَإِنَّهُمْ إِنْ سَلَّمُوهُ لَمْ يَجِدُوا انْفِكَاكًا فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تُعَارَضَ النُّصُوصُ بِالْمَقَايِيسِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ مَضَرَّةً وَمَنْفَعَةً، فَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] ، وَكَانَ الْقِيَاسُ إِذَا قُصِدَ الْجَمْعُ بَيْنَ انْتِقَاءِ الْمَضَرَّةِ وَوُجُودِ الْمَنْفَعَةِ أَنْ يُحَرَّمَ كَثِيرُهَا وَيُحَلَّلَ قَلِيلُهَا ; فَلَمَّا غَلَّبَ الشَّرْعُ حُكْمَ الْمَضَرَّةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي الْخَمْرِ، وَمَنَعَ الْقَلِيلَ مِنْهَا وَالْكَثِيرَ - وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يُوجَدُ فِيهِ عَلَةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ فِي ذَلِكَ فَارِقٌ شَرْعِيٌّ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِانْتِبَاذَ حَلَالٌ مَا لَمْ تَحْدُثْ فِيهِ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ الْخَمْرِيَّةُ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَانْتَبِذُوا، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . وَلِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَنَّهُ كَانَ يَنْتَبِذُ، وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيقُهُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: فِي الْأَوَانِي الَّتِي يُنْتَبَذُ فِيهَا.

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 3  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست