responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 3  صفحه : 139
[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لِتَمَامِ اللِّعَانِ]
فَأَمَّا مُوجِبَاتُ اللِّعَانِ: فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: مِنْهَا: هَلْ تَجِبُ الْفُرْقَةُ أَمْ لَا؟ وَإِنْ وَجَبَتْ فَمَتَى تَجِبُ؟ وَهَلْ تَجِبُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَمْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ؟ وَإِذَا وَقَعَتْ فَهَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ فَسْخٌ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِاللِّعَانِ لِمَا اشْتَهَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ اللِّعَانِ " مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَّقَ بَيْنَهُمَا "، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ: فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ، وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: لَا يَعْقُبُ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ آيَةُ اللِّعَانِ، وَلَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْأَحَادِيثِ، لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللِّعَانَ إِنَّمَا شُرِعَ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ، فَلَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمًا تَشْبِيهًا بِالْبَيِّنَةِ. وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنَ التَّقَاطُعِ، وَالتَّبَاغُضِ، وَالتَّهَاتُرِ، وَإِبْطَالِ حُدُودِ اللَّهِ مَا أَوْجَبَ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا بَعْدَهَا أَبَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وَهَؤُلَاءِ قَدْ عَدِمُوا ذَلِكَ كُلَّ الْعَدَمِ، وَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَتُهُمَا الْفُرْقَةَ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقُبْحُ الَّذِي بَيْنَهُمَا غَايَةُ الْقُبْحِ. وَأَمَّا مَتَى تَقَعُ الْفُرْقَةُ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَجَمَاعَةٌ: إِنَّهَا تَقَعُ إِذَا فَرَغَا جَمِيعًا مِنَ اللِّعَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَكْمَلَ الزَّوْجُ لِعَانَهُ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَقَعُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ. وَحُجَّةُ مَالِكٍ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَقَالَ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» . وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ اللِّعَانِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لِعَانَهَا تَدْرَأُ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهَا فَقَطْ، وَلِعَانُ الرَّجُلِ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي نَفْيِ النَّسَبِ، فَوَجَبَ إِنْ كَانَ لِلِّعَانِ تَأْثِيرٌ فِي الْفُرْقَةِ أَنْ يَكُونَ لِعَانُ الرَّجُلِ تَشْبِيهًا بِالطَّلَاقِ. وَحُجَّتُهُمَا جَمِيعًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُمَا بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ عِنْدَ وُقُوعِ اللِّعَانِ مِنْهُمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ هُوَ سَبَبُ الْفُرْقَةِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَرَى أَنَّ الْفِرَاقَ إِنَّمَا نَفَذَ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ حِينَ قَالَ: «لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا» ، فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُ شَرْطٌ فِي وُقُوعِ الْفُرْقَةِ كَمَا أَنَّ حُكْمَهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ اللِّعَانِ. فَسَبَبُ الْخِلَافِ بَيْنَ مَنْ رَأَى أَنَّهُ تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ، وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ أَنَّ تَفْرِيقَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا لَيْسَ هُوَ بَيِّنًا فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ، لِأَنَّهُ بَادَرَ بِنَفْسِهِ فَطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِوُجُوبِ الْفُرْقَةِ، وَالْأَصْلُ أَنْ لَا فُرْقَةَ إِلَّا بِطَلَاقٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ تَحْرِيمٌ يَتَأَبَّدُ (أَعْنِي: مُتَّفَقًا عَلَيْهِ) ، فَمَنْ غَلَّبَ هَذَا الْأَصْلَ عَلَى الْمَفْهُومِ لِاحْتِمَالِهِ نَفَى وُجُوبَ الْفُرْقَةِ قَالَ بِإِيجَابِهَا.

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 3  صفحه : 139
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست