responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 1  صفحه : 119
هَلْ فَرْضُهُ الْإِصَابَةُ أَوْ الِاجْتِهَادُ: أَعْنِي إِصَابَةَ الْجِهَةِ أَوِ الْعَيْنِ عِنْدَ مَنْ أَوْجَبَ الْعَيْنَ؟ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْعَيْنُ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ الْجِهَةُ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] مَحْذُوفٌ حَتَّى يَكُونَ تَقْدِيرُهُ: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ جهة شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمْ لَيْسَ هَاهُنَا مَحْذُوفٌ أَصْلًا، وَأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؟ فَمَنْ قَدَّرَ هُنَالِكَ مَحْذُوفًا قَالَ: الْفَرْضُ الْجِهَةُ، وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ هُنَالِكَ مَحْذُوفًا قَالَ: الْفَرْضُ الْعَيْنُ، وَالْوَاجِبُ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى تَقْدِيرِ هَذَا الْمَحْذُوفِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَيْتِ» .
قَالُوا: وَاتِّفَاقُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّفِّ الطَّوِيلِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ لَيْسَ هُوَ الْعَيْنَ، أَعْنِي: إِذَا لَمْ تَكُنِ الْكَعْبَةُ مُبْصَرَةً) .
وَالَّذِي أَقُولُهُ: إِنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا قَصْدُ الْعَيْنِ لَكَانَ حَرَجًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فَإِنَّ إِصَابَةَ الْعَيْنِ شَيْءٌ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِتَقْرِيبٍ وَتَسَامُحٍ بِطَرِيقِ الْهَنْدَسَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَرْصَادِ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الِاجْتِهَادِ، وَنَحْنُ لَمْ نُكَلَّفْ الِاجْتِهَادَ فِيهِ بِطَرِيقِ الْهَنْدَسَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْأَرْصَادِ الْمُسْتَنْبَطِ مِنْهَا طُولُ الْبِلَادِ وَعَرْضُهَا.

; وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ هَلْ فَرْضُ الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ الْإِصَابَةُ، أَوْ الِاجْتِهَادُ فَقَطْ حَتَّى يَكُونَ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ فَرْضَهُ الْإِصَابَةُ، مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَمَتَى قُلْنَا إِنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُعِيدَ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى قِبَلَ اجْتِهَادِهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ فَرْضَهُ الْإِصَابَةُ، وَأَنَّهُ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَعَادَ أَبَدًا، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يُعِيدُ، وَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ، أَوْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ، إِلَّا أَنَّ مَالِكًا اسْتَحَبَّ لَهُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مُعَارَضَةُ الْأَثَرِ لِلْقِيَاسِ مَعَ الِاخْتِلَافِ أَيْضًا فِي تَصْحِيحِ الْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ.
أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ تَشْبِيهُ الْجِهَةِ بِالْوَقْتِ: (أَعْنِي بِوَقْتِ الصَّلَاةِ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِيهِ هُوَ الْإِصَابَةُ، وَأَنَّهُ إِنِ انْكَشَفَ لِلْمُكَلَّفِ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَعَادَ أَبَدًا إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا جَهِلَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ، ثُمَّ انْكَشَفَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّاهَا قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ أَنَّهُ قَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مِيقَاتُ وَقْتٍ، وَهَذَا مِيقَاتُ جِهَةٍ.

نام کتاب : بداية المجتهد ونهاية المقتصد نویسنده : ابن رشد الحفيد    جلد : 1  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست