responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المدخل نویسنده : ابن الحاج    جلد : 3  صفحه : 79
إلَى انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ فَصَيَّرُوا أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا، وَلَيْلَةً وَاحِدَةً، وَكُلَّمَا مَضَتْ لَيْلَةٌ اسْتَأْنَفُوا الثَّانِيَةَ، وَطَلَبُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ حُسْنَ الصُّحْبَةِ لِيَوْمِهِمْ، وَلَيْلَتِهِمْ، وَكُلَّمَا مَضَى عَنْهُمْ يَوْمٌ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ مِنْهُمْ أَوْ لَيْلَةٌ رَاقَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِيهَا عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ غَنِيمَةً، وَذَكَرُوا الْيَوْمَ الْمَاضِي فَسُرُّوا بِهِ فَصَبَرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ لِخَوْفِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ، وَطَرَحُوا شُغْلَ الْقَلْبِ بِذِكْرِ غَدٍ، وَاسْتَعْمَلُوا أَبْدَانَهُمْ، وَجَوَارِحَهُمْ فِيهِ، وَتَفَرَّغُوا لَهُ فَقَصُرَتْ عَنْهُمْ الْآمَالُ، وَقَرُبَتْ عِنْدَهُمْ الْآجَالُ، وَتَبَاعَدَتْ عَنْهُمْ أَسْبَابُ وَسَاوِسِ الدُّنْيَا، وَعَظُمَ شُغْلُ الْآخِرَةِ فِي قُلُوبِهِمْ فَنَظَرُوا إلَيْهَا بِعَيْنٍ صَحِيحَةِ النَّظَرِ نَافِذَةِ الْبَصَرِ، وَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ فَاسْتَقَامَتْ لَهُمْ السِّيرَةُ حِينَ وَجَدُوا حَلَاوَةَ الطَّاعَةِ وَطَاوَعَتْهُمْ الزِّيَادَةُ فِي التَّقْوَى فَقَرَّتْ بِالْخَوْفِ أَعْيُنُهُمْ، وَتَنَعَّمُوا بِالْحُزْنِ فِي عِبَادَتِهِمْ حَتَّى نَحَلَتْ أَجْسَامُهُمْ، وَبَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ، وَقَلَّ مَعَ الْمَخْلُوقِينَ كَلَامُهُمْ، وَتَلَذَّذُوا بِمُنَاجَاةِ خَالِقِهِمْ فَقُلُوبُهُمْ بِمَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ مُتَعَلِّقَةٌ، وَفِكْرُهُمْ بِأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ مُقْبِلَةٌ مُدْبِرَةٌ، وَأَبْدَانُهُمْ بَيْنَ الْمَخْلُوقِينَ عَارِيَّةٌ فَعَمُوا عَنْ الدُّنْيَا، وَصَمُّوا عَنْهَا، وَعَمَّا فِيهَا، وَوَضُحَ لَهُمْ أَمْرُ الْآخِرَةِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ إلَيْهَا يَنْظُرُونَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - ثُمَّ نَظَرْت فِي ذَلِكَ فَلَمْ أَرَ شَيْئًا أَقْرَبَ وَلَا أَجْمَعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ حَمِيَّةِ الْأَنْفُسِ عَنْ إلْفِهَا، وَقَطْعِ مُجَاوَرَةِ الْمَخْلُوقِينَ بِمَنْعِ الْقُلُوبِ عَنْ الْأَخْبَارِ الَّتِي بِهَا تَهِيجُ الْقُلُوبُ مِنْ الْأَشْغَالِ الْقَوَاطِعِ عَنْ التَّفَرُّغِ لِلْحُزْنِ أَوْ الْبَحْثِ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ، وَالتَّرْكِ لِلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَوَرَّثَهُ ذَلِكَ حُبَّ الْخَلَوَاتِ فَأَحَبَّهَا، وَلَزِمَهَا، وَأَنِسَ بِهَا، وَاسْتَوْحَشَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ، وَذَلِكَ حِينَ جَرَتْ عُذُوبَةُ الْخَلْوَةِ فِي أَعْضَائِهِ كَمَا يَجْرِي الْمَاءُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ فَأَوْرَقَتْ أَغْصَانُهَا، وَأَثْمَرَتْ عِيدَانُهَا، وَلَزِمَ خَوْفُ مَا يَجِيءُ بِهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سُوَيْدَاءَ قَلْبِهِ فَهَاجَ لَهُ مِنْ الْخَلْوَةِ فُنُونٌ مِنْ أُصُولِ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ اجْتَهَدَ فِي فَنٍّ مِنْهَا عَلَى أَنْ يَسْتَحْكِمَ لَهُ لَعَظُمَتْ عَلَيْهِ الْمُؤْنَةُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ

نام کتاب : المدخل نویسنده : ابن الحاج    جلد : 3  صفحه : 79
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست