responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المدخل نویسنده : ابن الحاج    جلد : 3  صفحه : 182
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَمَنْ كَانَ فِي حَالِ التَّجَلِّي فَهُوَ مُسْتَغْرِقُ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَرَى غَيْرَ مَا هُوَ فِيهِ لِكَثْرَةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّعِيمِ إذْ التَّجَلِّي لَيْسَ شَيْئًا مِنْ النِّعَمِ أَعْلَى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَلَا يُعَكَّرُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَفَظَةِ مَا وَرَدَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا نَوَى الْحَسَنَةَ خَرَجَتْ عَلَى فَمِهِ رَائِحَةٌ عَطِرَةٌ، وَإِذَا نَوَى السَّيِّئَةَ خَرَجَتْ عَلَى فَمِهِ رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ نَوَى بِقَلْبِهِ مَا نَوَاهُ فَهُوَ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ دَلَّتْ عَلَيْهِ الرَّائِحَةُ الصَّادِرَةُ عَنْهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ بِسَبِيلِهِ إذْ التَّجَلِّي لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ حِيلَتِهِ، بَلْ هُوَ فَيْضٌ مِنْ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَفَضُّلٌ مِنْهُ وَامْتِنَانٌ عَلَى مَنْ خَصَّهُ وَاخْتَارَهُ مِنْ خَلْقِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَأَوَانٍ فَيَنْبَغِي لِلْمُرِيدِ إنْ كَانَتْ لَهُ هِمَّةٌ سَنِيَّةٌ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقَامِ السَّنِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَرِيمٌ مَنَّانٌ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فِيهَا الْبَرَكَةُ الشَّامِلَةُ فَخَيْرُهُمْ وَمَقَامُهُمْ الْخَاصُّ بِهِمْ لَا يَزُولُ وَلَا يَحُولُ إلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا يَقْطَعُ الْمُرِيدُ إيَاسَهُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَالِهِمْ السَّنِيِّ وَلَا يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَلَا لِحِيلَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَاجْتِهَادِهِ؛ لِأَنَّهُ مَهْمَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ قَطَعَ بِهِ، بَلْ يَنْظُرُ إلَى فَضْلِ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَنِعَمِهِ الْمُتَرَادِفَةِ عَلَيْهِ.
وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ بَهِيمِيَّ الطَّبْعِ لَا يَرَى النِّعَمَ إلَّا فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَالسَّعَةِ فِي الرِّزْقِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ حَالِ الْمُرِيدِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِنْ حَالِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كَرَمِهِ وَإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ يُعْطِي لِكُلِّ قَاصِدٍ مَا قَصَدَهُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرِيدَ غَنِيمَتُهُ مَا فَاتَهُ مِنْ الدُّنْيَا، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ الْمُرِيدُ لَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ فَقُلْتُ لَهُ أَلَيْسَ يَحْتَاجُ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ فَقَالَ نَعَمْ لَكِنَّ طَعَامَ الْمُرِيدِ الْجُوعُ وَكِسْوَتَهُ الْعُرْيُ فَهُوَ يَجِدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَحِلُّ فِيهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَحَدٍ.
وَالْمَقْصُودُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ قَدْ طَرَحُوا أُمُورَ الدُّنْيَا خَلْفَ ظُهُورِهِمْ وَأَقْبَلُوا بِكُلِّيَّتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ وَأَسْنَدُوا أُمُورَهُمْ إلَيْهِ وَتَوَكَّلُوا بِالْحَقِيقَةِ عَلَيْهِ

نام کتاب : المدخل نویسنده : ابن الحاج    جلد : 3  صفحه : 182
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست