responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي نویسنده : الزيلعي ، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 174
عَامٍ» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ كَانُوا يَضْرِبُونَ وَيُغَرِّبُونَ وَلِأَنَّ الزِّنَا يَنْشَأُ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ وَالْمُؤَانَسَةِ فَيُفَرَّقُ وَيُغَرَّبُ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّارِقَ لَمَّا كَانَ تَمَكُّنُهُ مِنْ السَّرِقَةِ بِالْمَشْيِ وَالْبَطْشِ صَارَ حَدُّهُ قَطْعَ آلَةِ الْمَشْيِ وَالْبَطْشِ حَسْمًا لِمَادَّتِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] جَعَلَ الْجَلْدَ كُلَّ الْمُوجِبِ نَظَرًا إلَى الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لِأَنَّ الْفَاءَ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ مَا يَكُونُ كِفَايَةً لِأَنَّهُ مِنْ جَزَأَ بِالْهَمْزِ أَيْ كَفَى وَإِلَى كَوْنِهِ كُلَّ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ كُلَّ الْمُوجِبِ إذْ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ فَلَوْ وَجَبَ التَّغْرِيبُ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْمُوجِبِ فَيَكُونُ نَسْخًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ تَعْرِيضًا لَهَا عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهَا إذَا تَبَاعَدَتْ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْأَقَارِبِ ارْتَفَعَ الْحَيَاءُ
وَإِذَا نَزَلَتْ فِي الرِّبَاطَاتِ أَوْ الْخَانَاتِ أَحْوَجَهَا انْقِطَاعُ مَوَادِّ الْمَعَاشِ إلَى اتِّخَاذِ الزِّنَا مَكْسَبَهُ لِارْتِفَاعِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَعَارِفِ وَهُوَ أَقْبَحُ وُجُوهِ الزِّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ جَهْرًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ وَقَاحَةٍ وَمَعَ الْعَشَائِرِ إنْ وَقَعَ يَقَعُ خُفْيَةً وَمَكْتُومًا لِكَوْنِهِ نَاشِئًا عَنْ اسْتِحْيَاءٍ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى شَخْصًا فَارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ بَعْدَهُ أَبَدًا وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ نَفْيَهُمْ كَانَ بِطَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ لِأَنَّ مِثْلَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَحْلِفُ أَنْ لَا يُقِيمَ الْحَدَّ وَعِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ إنْ رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالزِّنَا أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَفَى الْمُخَنَّثَ» وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَفَى نَصْرَ بْنَ الْحَجَّاجِ وَكَانَ غُلَامًا صَبِيحًا يُفْتَتَنُ بِهِ النِّسَاءُ وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ رَآهَا فَإِنَّ الْغُلَامَ قَالَ لَهُ مَا ذَنْبِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَا ذَنْبَ لَك وَإِنَّمَا الذَّنْبُ لِي حَيْثُ لَا أُطَهِّرُ دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْك فَنَفَاهُ وَالْتَحَقَ بِالرُّومِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَنْفِيَ أَحَدًا بَعْدَ هَذَا وَلِأَنَّ نَفْيَ الْمَرْأَةِ لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لِأَنَّ سَفَرَهَا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ حَرَامٌ وَلَا ذَنْبَ لِلْمَحْرَمِ حَتَّى يُنْفَى مَعَهَا
وَلَا يُمْكِنُ الْقِيَاسُ عَلَى الْمُهَاجِرَةِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَا تَقْصِدُ سَفَرًا وَإِنَّمَا تَطْلُبُ الْخَلَاصَ حَتَّى لَوْ وَصَلَتْ إلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ مَنَعَةٌ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَتُسَافِرَ وَكَذَا فِي الْأَمَةِ حَقُّ الْمَوْلَى فِي الْخِدْمَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الشَّرْعِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَوْلَاهَا وَكَذَا الْعَبْدُ وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَإِنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالْإِجْمَاعِ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ الزِّنَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ الْإِيذَاءَ بِاللِّسَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] ثُمَّ نُسِخَ بِالْحَبْسِ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} [النساء: 15] ثُمَّ نُسِخَ الْحَبْسُ فِي الْبُيُوتِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «خُذُوا عَنِّي فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَكَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ النُّورِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خُذُوا عَنِّي وَلَوْ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهَا لَقَالَ خُذُوا عَنْ اللَّهِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَكَانَ الْجَلْدُ حَدَّ كُلِّ زَانٍ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعْمُولًا بِهِ فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ عَلَى الْجَلْدِ فَقَطْ فِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَعَلَى الرَّجْمِ فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ غَرَّبَ بِمَا يَرَى صَحَّ) أَيْ لَوْ غَرَّبَ الْإِمَامُ الْجَانِيَ بِمَا يَرَى مِنْ التَّغْرِيبِ جَازَ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِالتَّغْرِيبِ الْحَبْسُ قَالَ الشَّاعِرُ
وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِينَةِ رَحْلُهُ ... فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبٌ
أَيْ لَمَحْبُوسٌ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَسْكَنُ لِلْفِتْنَةِ مِنْ نَفْيِهِ إلَى إقْلِيمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ بِالنَّفْيِ يَعُودُ مُفْسِدًا كَمَا كَانَ وَلِهَذَا كَانَ الْحَبْسُ حَدًّا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ دُونَ النَّفْيِ وَحُمِلَ النَّفْيُ الْمَذْكُورُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ عَلَيْهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمَرِيضُ يُرْجَمُ وَلَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ) أَيْ إذَا زَنَى الْمَرِيضُ وَكَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ لِأَنَّ الرَّجْمَ مُتْلِفٌ فَلَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لَا يُجْلَدُ حَتَّى يَبْرَأَ كَيْ لَا يُفْضِيَ إلَى التَّلَفِ وَالْجَلْدُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَلَا فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ وَإِنْ كَانَ الزَّانِي ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ بِحَيْثُ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ إذَا ضُرِبَ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا مِقْدَارَ مَا يَتَحَمَّلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا ضَعِيفًا زَنَى فَذَكَرَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اضْرِبُوهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَيَكُونُ كُلُّ الْمُوجِبِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَكِيمَ مَهْمَا شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى بَيَانِ بَعْضِ الْحُكْمِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعُمَرُ نَفَى شَخْصًا) أَيْ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ حَجَّاجٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيَانُ نَسْخِهِ أَنَّ حَدَّ) لَفْظَةُ حَدٍّ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهِ اهـ

نام کتاب : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي نویسنده : الزيلعي ، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 174
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست