responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 99
سِلَاحٌ، لَا بَأْسَ أَنْ يُوَلِّيَ دُبُرَهُ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ: قَوْلُهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] اللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - نَهَى الْمُؤْمِنِينَ عَنْ تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ عَامًّا بِقَوْلِهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] ثُمَّ اسْتَثْنَى - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَمَنْ يُوَلِّي دُبُرَهُ لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقَالَ - عَزَّ مِنْ قَائِلٍ - {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16]
وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ، فَكَانَ الْمَحْظُورُ تَوْلِيَةً مَخْصُوصَةً، وَهِيَ أَنْ يُوَلِّيَ دُبُرَهُ غَيْرَ مُتَحَرِّفٍ لِقِتَالٍ، وَلَا مُتَحَيِّزٍ إلَى فِئَةٍ فَبَقِيَتْ التَّوْلِيَةُ إلَى جِهَةِ التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْحَظْرِ، فَلَا تَكُونُ مَحْظُورَةً، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] إنَّهُ عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] وَقَوْلُهُ {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} [الأنفال: 65] لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ؛ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لِلتَّحَيُّزِ إلَى فِئَةٍ خَصَّ فِيهَا، فَلَمْ تَكُنْ الْآيَتَانِ مَنْسُوخَتَيْنِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِينَ فَرُّوا إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ فِيهَا «أَنْتُمْ الْكَرَّارُونَ، أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ» أَخْبَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ إلَى فِئَةٍ كَرَّارٌ وَلَيْسَ بِفَرَّارٍ مِنْ الزَّحْفِ، فَلَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْغُزَاةُ فِي سَفِينَةٍ فَاحْتَرَقَتْ السَّفِينَةُ وَخَافُوا الْغَرَقَ، حَكَّمُوا فِيهِ غَالِبَ رَأْيِهِمْ، وَأَكْبَرَ ظَنِّهِمْ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى رَأْيِهِمْ أَنَّهُمْ لَوْ طَرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْبَحْرِ لِيَنْجُوا بِالسِّبَاحَةِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ الطُّرُقُ لِيَسْبَحُوا فَيَتَحَيَّزُوا إلَى فِئَةٍ، وَإِنْ اسْتَوَى جَانِبَا الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ، بِأَنْ كَانَ إذَا قَامُوا حُرِّقُوا، وَإِذَا طَرَحُوا غَرِقُوا، فَلَهُمْ الْخِيَارُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَطْرَحُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُمْ لَوْ أَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَاءِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَقَامُوا فِي السَّفِينَةِ لَهَلَكُوا أَيْضًا، إلَّا أَنَّهُمْ لَوْ طَرَحُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ صَبَرُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ، فَكَانَ الصَّبْرُ أَقْرَبَ إلَى الْجِهَادِ، فَكَانَ أُولَى.
(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ اسْتَوَى الْجَانِبَانِ فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْهَلَاكِ، فَيَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ أَرْفَقَ قَوْلُهُ لَوْ أَقَامُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ وَقُلْنَا وَلَوْ طَرَحُوا لَهَلَكُوا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ أَيْضًا، إذْ الْعَدُوُّ هُوَ الَّذِي أَلْجَأَهُمْ إلَيْهِ، فَكَانَ الْهَلَاكُ فِي الْحَالَيْنِ مُضَافًا إلَى فِعْلِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ قَدْ يَكُونُ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ أَسْهَلَ فَيَثْبُتُ لَهُمْ الْخِيَارُ، وَلَوْ طُعِنَ مُسْلِمٌ بِرُمْحٍ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْشِيَ إلَى مَنْ طَعَنَهُ مِنْ الْكَفَرَةِ حَتَّى يُجْهِزَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِالْمَشْيِ إلَيْهِ بَذْلَ نَفْسِهِ؛ لِإِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَتَحْرِيضَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنْ لَا يَبْخَلُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي قِتَالِ أَعْدَاءِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فَكَانَ جَائِزًا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ -.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يَنْدُبُ إلَيْهِ الْإِمَامُ عِنْدَ بَعْثِ الْجَيْشِ أَوْ السَّرِيَّةِ إلَى الْجِهَادِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُنْدَبُ إلَيْهِ الْإِمَامُ عِنْدَ بَعْثِ الْجَيْشِ أَوْ السَّرِيَّةِ إلَى الْجِهَادِ، فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّهُ يُنْدَبُ إلَى أَشْيَاءَ، مِنْهَا أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا بَعَثَ جَيْشًا إلَّا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْأَمِيرِ مَاسَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَسِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ، وَلَا يَقُومُ ذَلِكَ إلَّا بِالْأَمِيرِ لِتَعَذُّرِ الرُّجُوعِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ إلَى الْإِمَامِ
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الَّذِي يُؤَمَّرُ عَلَيْهِمْ عَالِمًا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، عَدْلًا عَارِفًا بِوُجُوهِ السِّيَاسَاتِ، بَصِيرًا بِتَدَابِيرِ الْحُرُوبِ وَأَسْبَابِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَحْصُلُ مَا يُنْصَبُ لَهُ الْأَمِيرُ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يُوصِيَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا، كَذَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً وَبِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ خَيْرًا؛ وَلِأَنَّ الْإِمَارَةَ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ فَلَا يَقُومُ بِهَا إلَّا الْمُتَّقِي وَإِذَا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ يُكَلِّفُهُمْ طَاعَةَ الْأَمِيرِ فِيمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ مَا حَكَمَ فِيكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى» وَلِأَنَّهُ نَائِبُ الْإِمَامِ، وَطَاعَةُ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ كَذَا طَاعَتُهُ؛ لِأَنَّهَا طَاعَةُ الْإِمَامِ، إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُمْ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 99
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست