responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 46
فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِمَا، فَالْقَذْفُ فِيهِمَا لَا يَنْعَقِدُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ حِينَ وُجُودِهِ فَلَا يُحْتَمَلُ الِاسْتِيفَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لِلْوَاجِبِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الشَّرَائِط الَّتِي تَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَذْفِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَذْفِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ وَالْإِضَافَةِ إلَى وَقْتٍ، فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إلَى وَقْتٍ - لَا يُوجِبُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرْطِ أَوْ الْوَقْتِ يَمْنَعُ وُقُوعَهُ قَذْفًا لِلْحَالِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَوْ الْوَقْتِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُ نَجَّزَ الْقَذْفَ - كَمَا فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ وَالْإِضَافَاتِ - فَكَانَ قَاذِفًا تَقْدِيرًا مَعَ انْعِدَامِ الْقَذْفِ حَقِيقَةً؛ فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا قَالَ رَجُلٌ: مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ ابْنُ الزَّانِيَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا قُلْتُ - أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْمُبْتَدِئِ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْقَذْفَ بِشَرْطِ الْقَوْلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ دَخَلْتَ هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ زَانٍ أَوْ ابْنُ الزَّانِيَةِ فَدَخَلَ - لَا حَدَّ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَنْتَ زَانٍ أَوْ ابْنُ الزَّانِيَةِ غَدًا أَوْ رَأْسَ شَهْرِ كَذَا، فَجَاءَ الْغَدُ وَالشَّهْرُ - لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ إضَافَةَ الْقَذْفِ إلَى وَقْتٍ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْقَذْفِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا تَظْهَرُ بِهِ الْحُدُودُ عِنْدَ الْقَاضِي]
وَأَمَّا بَيَانُ مَا تَظْهَرُ بِهِ الْحُدُودُ عِنْدَ الْقَاضِي فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْحُدُودُ كُلُّهَا تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ، لَكِنْ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهَا، أَمَّا شَرَائِطُ الْبَيِّنَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْحَدِّ (فَمِنْهَا) مَا يَعُمُّ الْحُدُودَ كُلَّهَا.
(وَمِنْهَا) مَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ.
أَمَّا الَّذِي يَعُمُّ الْكُلَّ: فَالذُّكُورَةُ وَالْأَصَالَةُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا؛ لِتَمَكُّنِ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ فِيهَا - ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُدُودُ - لَا تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ، وَلَوْ ادَّعَى الْقَاذِفُ أَنَّ الْمَقْذُوفَ صَدَّقَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ - جَازَ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هَهُنَا قَامَتْ عَلَى إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا عَلَى إثْبَاتِهِ، وَالشُّبْهَةُ تَمْنَعُ مِنْ إثْبَاتِ الْحَدِّ لَا مِنْ إسْقَاطِهِ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ (فَمِنْهَا) عَدَمُ التَّقَادُمِ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا عَايَنَ الْجَرِيمَةَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وَبَيْنَ التَّسَتُّرِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ؛ لِقَوْلِهِ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَنْ سَتَرَ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ» فَلَمَّا لَمْ يَشْهَدْ عَلَى فَوْرِ الْمُعَايَنَةِ حَتَّى تَقَادَمَ الْعَهْدُ؛ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِ جِهَةِ السِّتْرِ، فَإِذَا شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ - دَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّغِينَةَ حَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
لِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ لَمْ يَشْهَدُوا عِنْدَ حَضْرَتِهِ فَإِنَّمَا شَهِدُوا عَنْ ضَغَنٍ وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ "، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا فَدَلَّ قَوْلُ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ شَهَادَةُ ضَغِينَةٍ، وَأَنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ وَلِأَنَّ التَّأْخِيرَ وَالْحَالَةَ هَذِهِ يُوَرِّثُ تُهْمَةً، وَلَا شَهَادَةَ لِلْمُتَّهَمِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ ثَمَّةَ لَا يَدُلُّ عَلَى الضَّغِينَةِ وَالتُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى هُنَاكَ شَرْطٌ فَاحْتُمِلَ أَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ لِتَأْخِيرِ الدَّعْوَى مِنْ الْمُدَّعِي، وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْحُدُودِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا فَصْلُ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الدَّعْوَى هُنَاكَ شَرْطٌ وَمَعَ هَذَا التَّقَادُمِ مَانِعٌ، وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ مَشَايِخِنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ مَعْنَى الضَّغِينَةِ وَالتُّهْمَةِ حِكْمَةُ الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.
وَالسَّبَبُ الظَّاهِرُ هُوَ كَوْنُ الْحَدِّ خَالِصَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ الظَّاهِرِ لَا عَلَى الْحِكْمَةِ، وَقَدْ وُجِدَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ فِي السَّرِقَةِ؛ فَيُوجِبُ الْمَنْعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالْحِكْمَةِ إلَّا إذَا كَانَ وَجْهُ الْحِكْمَةِ خَفِيًّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِحَرَجٍ، فَيُقَامُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ وَتُجْعَلُ الْحِكْمَةُ مَوْجُودَةً تَقْدِيرًا، وَهَهُنَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ وَلَمْ تُوجَدْ فِي السَّرِقَةِ؛ لِمَا بَيَّنَّا، فَيَجِبُ أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ التَّقَادُمِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّمَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي السَّرِقَةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّرِقَةِ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي الِابْتِدَاءِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ السَّرِقَةَ وَيَقْطَعَ طَمَعَهُ عَنْ مَالِهِ احْتِسَابًا لِإِقَامَةِ الْحَدِّ، وَبَيْنَ أَنْ يَدَّعِيَ أَخْذَ الْمَالِ سَتْرًا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَلَمَّا أَخَّرَ - دَلَّ تَأْخِيرُهُ عَلَى اخْتِيَارِ جِهَةِ السَّتْرِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ جِهَةِ الْحِسْبَةِ، فَلَمَّا شَهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَقَدْ قَصَدَ الْإِعْرَاضَ عَنْ جِهَةِ السَّتْرِ فَلَا يَصِحُّ إعْرَاضُهُ وَلَمْ يُجْعَلْ قَاصِدًا جِهَةَ الْحِسْبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَعْرَضَ عَنْهَا عِنْدَ اخْتِيَارِهِ جِهَةَ السَّتْرِ فَلَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهُ السَّرِقَةَ فَلَمْ تُقْبَلْ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست