responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 39
لِوُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى أَحَدِهِمَا، حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا وَالْآخَرُ غَيْرَ مُحْصَنٍ، فَالْمُحْصَنُ مِنْهُمَا يُرْجَمُ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ يُجْلَدُ، ثُمَّ إذَا ظَهَرَ إحْصَانُ الزَّانِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ يُرْجَمُ بِالنَّصِّ وَالْمَعْقُولِ، أَمَّا النَّصُّ فَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى مَعَانٍ ثَلَاثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، وَقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» .
وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَكَانَ مُحْصَنًا» .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ فَهُوَ أَنَّ الْمُحْصَنَ إذَا تَوَفَّرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَانِعُ مِنْ الزِّنَا، فَإِذَا أَقْدَمَ عَلَيْهِ مَعَ تَوَفُّرِ الْمَوَانِعِ - صَارَ زِنَاهُ غَايَةً فِي الْقُبْحِ، فَيُجَازَى بِمَا هُوَ غَايَةٌ فِي الْعُقُوبَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَهُوَ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى قَدْرِ الْجِنَايَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَوَعَّدَ نِسَاءَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِمُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ إذَا أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ؛ لِعِظَمِ جِنَايَتِهِنَّ؛ لِحُصُولِهَا مَعَ تَوَفُّرِ الْمَوَانِعِ فِيهِنَّ؛ لِعِظَمِ نِعَمِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَيْهِنَّ؛ لِنَيْلِهِنَّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُضَاجَعَتَهُ، فَكَانَتْ جِنَايَتُهُنَّ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِتْيَانِ غَايَةً فِي الْقُبْحِ، فَأُوعِدْنَ بِالْغَايَةِ مِنْ الْجَزَاءِ.
كَذَا هَهُنَا، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» .
(وَلَنَا) «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَجَمَ مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ» ، وَلَوْ وَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَجَمَعَ؛ وَلِأَنَّ الزِّنَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا يُوجِبُ إلَّا عُقُوبَةً وَاحِدَةً، وَالْجَلْدُ وَالرَّجْمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُقُوبَةٌ عَلَى حِدَةٍ، فَلَا يَجِبَانِ لِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ، لَكِنْ فِي حَالَيْنِ فَيَكُونُ عَمَلًا بِالْحَدِيثِ، وَإِذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ لَا يُرْجَمُ بَلْ يُجْلَدُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَفْسِ الزِّنَا هُوَ الْجَلْدُ بِآيَةِ الْجَلْدِ؛ وَلِأَنَّ زِنَا غَيْرَ الْمُحْصَنِ لَا يَبْلُغُ غَايَةً فِي الْقُبْحِ فَلَا تَبْلُغُ عُقُوبَتُهُ النِّهَايَةَ، فَيُكْتَفَى بِالْجَلْدِ وَهَلْ يُجْمَعُ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا؛ فَيَجْمَعُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا، احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ جَلَدَ وَغَرَّبَ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] .
وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - أَمَرَ بِجَلْدِ الزَّانِيَةِ وَالزَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّغْرِيبَ، فَمَنْ أَوْجَبَهُ فَقَدْ زَادَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ نَسْخٌ، وَلَا يَجُوزُ نَسْخُ النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالثَّانِي - أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَ الْجَلْدَ جَزَاءً، وَالْجَزَاءُ اسْمٌ لِمَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِزَاءِ - وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ - فَلَوْ أَوْجَبْنَا التَّغْرِيبَ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ بِالْجَلْدِ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ؛ لِأَنَّ التَّغْرِيبَ تَعْرِيضٌ لِلْمُغَرَّبِ عَلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي بَلَدِهِ يَمْتَنِعُ عَنْ الْعَشَائِرِ وَالْمَعَارِفِ حَيَاءً مِنْهُمْ، وَبِالتَّغْرِيبِ يَزُولُ هَذَا الْمَعْنَى فَيُعَرَّى الدَّاعِي عَنْ الْمَوَانِعِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَالزِّنَا قَبِيحٌ فَمَا أَفْضَى إلَيْهِ مِثْلُهُ، وَفِعْلُ الصَّحَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ نَفَى رَجُلًا فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَقَالَ: لَا أَنْفِي بَعْدَهَا أَبَدًا.
وَعَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً فَدَلَّ أَنَّ فِعْلَهُمْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّعْزِيرِ، وَنَحْنُ بِهِ نَقُولُ: إنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفِيَ إنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّغْرِيبِ، وَيَكُونُ النَّفْيُ تَعْزِيرًا لَا حَدًّا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ وَأَمَّا إحْصَانُ الْقَذْفِ فَنَذْكُرُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ فِي حَدِّ الشُّرْبِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا حَدُّ الشُّرْبِ فَسَبَبُ وُجُوبِهِ الشُّرْبُ؛ وَهُوَ شُرْبُ الْخَمْرِ خَاصَّةً، حَتَّى يَجِبَ الْحَدُّ بِشُرْبِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْوُجُوبُ عَلَى حُصُولِ السُّكْرِ مِنْهَا، وَحَدُّ السُّكْرِ سَبَبُ وُجُوبِهِ السُّكْرُ الْحَاصِلُ بِشُرْبِ مَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمَعْهُودَةِ الْمُسْكِرَةِ كَالسُّكَّرِ وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَالْمَطْبُوخِ أَدْنَى طَبْخَةٍ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْمُثَلَّثِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطِ وُجُوبِ حَدِّ الشُّرْبِ]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهَا فَمِنْهَا الْعَقْلُ، وَمِنْهَا الْبُلُوغُ، فَلَا حَدَّ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَمِنْهَا الْإِسْلَامُ فَلَا حَدَّ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ بِالشُّرْبِ وَلَا بِالسُّكْرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا عَدَمُ الضَّرُورَةِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ، فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ خَمْرٍ وَلَا عَلَى مَنْ أَصَابَتْهُ مَخْمَصَةٌ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ عُقُوبَةٌ مَحْضَةٌ فَتَسْتَدْعِي جِنَايَةً مَحْضَةً، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يُوصَفُ بِالْجِنَايَةِ، وَكَذَا الشُّرْبُ لِضَرُورَةِ الْمَخْمَصَةِ، وَالْإِكْرَاهُ حَلَالٌ فَلَمْ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 7  صفحه : 39
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست