responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 6  صفحه : 142
الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَبْضِ مِمَّا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ؛ وَلِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ قَبْضُ اسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ، وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِمَّا يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ: فَهُوَ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ قَبْضِ الرَّهْنِ؟ فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَالْهِبَةِ أَنَّ الْقَابِضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا، نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا، نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَقَدْ بَيَّنَّا فِقْهَ هَذَا الْأَصْلِ وَفُرُوعِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ شِئْتَ عَدَدْتَ الْحِيَازَةَ وَالْفَرَاغَ وَالتَّمْيِيزَ مِنْ شَرَائِطِ نَفْسِ الْعَقْدِ: فَقُلْتَ: وَمِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحُوزًا عِنْدَنَا، وَبَنَيْتَ الْمُشَاعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ.

وَمِنْهَا: دَوَامُ الْقَبْضِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَبَنَيْتَ عَلَيْهِ الْمُشَاعَ.
(وَلَنَا) فِي إثْبَاتِ هَذَا الشَّرْطِ دَلِيلَانِ: أَحَدُهُمَا قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمَرْهُونَ مَقْبُوضٌ، فَيَقْتَضِي كَوْنَهُ مَقْبُوضًا مَا دَامَ مَرْهُونًا؛ لِأَنَّ إخْبَارَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَحْتَمِلُ الْخُلْفَ، وَالشُّيُوعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْقَبْضِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الرَّهْنِ وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَمَّاهُ رَهْنًا، وَكَذَا يُسَمَّى رَهْنًا فِي مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَالرَّهْنُ حَبْسٌ فِي اللُّغَةِ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] أَيْ حَبِيسَةٌ بِكَسْبِهَا، فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا مَا دَامَ مَرْهُونًا، وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْحَبْسِ فَيَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا؛؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ يَمْنَعُ إدَامَةَ الْقَبْضُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ مُقَارَنًا أَوْ طَارِئًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ دَوَامَ الْقَبْضِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ، لَأَمْسَكَهُ الشَّرِيكُ يَوْمًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَيَوْمًا بِحُكْمِ الرَّهْنِ؛ فَتَخْتَلِفُ جِهَةُ الْقَبْضِ وَالْحَبْسِ فَلَا يَدُومُ الْقَبْضُ وَالْحَبْسُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ رَهَنَهُ يَوْمًا، وَيَوْمًا لَا، وَذَا لَا يَجُوزُ.
وَعَلَى هَذَا أَيْضًا يَخْرُجُ رَهْنُ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِعَيْنٍ لَيْسَ بِمَرْهُونٍ؛؛ لِأَنَّ اتِّصَالَهُ بِعَيْنِ الْمَرْهُونِ يَمْنَعُ مِنْ إدَامَةِ الْقَبْضِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ فَارِغًا مَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُنْفَصِلًا مُمَيَّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَخَرَجَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسَائِلُهُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَافْهَمْ.

(وَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَرْهُونِ بِهِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الشَّرْطِ يَقَعُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ، وَالثَّانِي فِي صِفَةِ الْمَضْمُونِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَصْلُ الضَّمَانِ هُوَ كَوْنُ الْمَرْهُونِ بِهِ مَضْمُونًا شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ عِنْدَنَا مَضْمُونٌ بِمَعْنَى سُقُوطِ الْوَاجِبِ عِنْدَ هَلَاكِهِ، أَوْ بِمَعْنَى اسْتِيفَاءِ الْوَاجِبِ، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالْمَضْمُونِ سِوَى أَنْ يَكُونَ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَالْمَضْمُونُ نَوْعَانِ: دَيْنٌ، وَعَيْنٌ.
أَمَّا الدَّيْنُ: فَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ مِنْ الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ أَسْبَابِ وُجُوبِهَا، فَكَانَ الرَّهْنُ بِهَا رَهْنًا بِمَضْمُونٍ فَيَصِحُّ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ، كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْمُسَلَّمِ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الدُّيُونِ وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ عِنْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ عَيْنَ الدَّيْنِ تَصِيرُ بَدَلًا عَنْ الدَّيْنِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا عِنْدَ الْمُجَانَسَةِ، وَالرَّهْنُ مَعَ الدَّيْنِ يَكُونَانِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَادَةً، فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ فَيَخْتَصُّ جَوَازُ الرَّهْنِ بِمَا يَحْتَمِلُ الِاسْتِبْدَالَ، وَهَذِهِ الدُّيُونُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا فَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِهَا.
(وَلَنَا) أَنَّ السُّقُوطَ بِطَرِيقِ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي حُكْمِ الرَّهْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتِيفَاءُ هَذِهِ الدُّيُونِ مُمْكِنٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ: الِاسْتِيفَاءُ يَسْتَدْعِي الْمُجَانَسَةَ قُلْنَا: الْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَقَعُ بِمَالِيَّةِ الرَّهْنِ لَا بِصُورَتِهِ، وَالْأَمْوَالُ كُلُّهَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْمَالِيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَقَدْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَيُكْتَفَى بِمُطْلَقِ الْمَالِيَّةِ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ، كَمَا فِي إتْلَافِ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فِي بَابِ الرَّهْنِ؛ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى تَوْثِيقِ دُيُونِهِمْ مِنْ جَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ، فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَإِذَا جَازَ الرَّهْنُ بِهَذِهِ الدُّيُونِ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي الْمَجْلِسِ، تَمَّ الصَّرْفُ وَالسَّلَمُ؛؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَوْفِيًا عَيْنَ حَقِّهِ فِي الْمَجْلِسِ لَا مُسْتَبْدِلًا، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ حَتَّى افْتَرَقَا، بَطَلَا؛ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَهُوَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَأَمَّا الْعَيْنُ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْعَيْنِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الرَّاهِنِ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ أَصْلًا

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 6  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست