responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 134
صَلُحَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ شَطْرًا فِي النِّكَاحِ صَلُحَتْ شَطْرًا فِي الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ: بِعْ أَوْ اشْتَرِ طَلَبُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَطَلَبُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا يَكُونُ إيجَابًا وَقَبُولًا، فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ فَلَا يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِكَوْنِ الِاسْتِفْهَامِ سُؤَالَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لَا إيجَابًا وَقَبُولًا، كَذَا هَذَا وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي النِّكَاحِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي النِّكَاحِ بِنَصٍّ خَاصٍّ وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ أَنَّ «بِلَالًا خَطَبَ إلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَبَوْا أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَقَالَ: لَوْلَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَنِي أَنْ أَخْطُبَ إلَيْكُمْ لَمْ أَخْطُبْ فَقَالُوا لَهُ: أَمَلَكْتَ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ بِلَالًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَبِلْتُ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ هُنَاكَ بِالنَّصِّ، وَلَا نَصَّ فِي الْبَيْعِ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُسَاوَمَةٌ حَقِيقَةً فَلَا تَكُونُ إيجَابًا وَقَبُولًا حَقِيقَةً، بَلْ هِيَ طَلَبُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَلَا بُدَّ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مِنْ لَفْظٍ؛ آخَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا.
وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الصِّيغَةِ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَمَةَ لَا تُوجَدُ فِي النِّكَاحِ عَادَةً، فَحُمِلَتْ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَلَى أَنَّ الضَّرُورَةَ تُوجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ زَوِّجْ ابْنَتَكَ مِنِّي شَطْرَ الْعَقْدِ، فَلَوْ لَمْ تُجْعَلْ شَطْرَ الْعَقْدِ، لَتَضَرَّرَ بِهِ الْوَلِيُّ لِجَوَازِ أَنْ يُزَوِّجَ وَلَا يَقْبَلُ الْمُخَاطَبُ فَيَلْحَقَهُ الشَّيْنُ فَجُعِلَتْ شَطْرًا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْأَوْلِيَاءِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي بَابِ الْبَيْعِ مُنْعَدِمٌ فَبَقِيَتْ سُؤَالًا فَلَا يَتِمُّ بِهِ الرُّكْنُ مَا لَمْ يُوجَدْ الشَّطْرُ الْآخَرُ.

(وَأَمَّا) صِفَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَهُوَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكُونُ لَازِمًا قَبْلَ وُجُودِ الْآخَرِ، فَأَحَدُ الشَّطْرَيْنِ بَعْدَ وُجُودِهِ لَا يَلْزَمُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّطْرِ الْآخَرِ حَتَّى إذَا وُجِدَ أَحَدُ الشَّطْرَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَلِلْآخَرِ خِيَارُ الْقَبُولِ، وَلَهُ خِيَارُ الرُّجُوعِ قَبْلَ قَبُولِ الْآخَرِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا عَنْ بَيْعِهِمَا» ، وَالْخِيَارُ الثَّابِتُ لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ عَنْ بَيْعِهِمَا هُوَ خِيَارُ الْقَبُولِ، وَخِيَارُ الرُّجُوعِ؛ وَلِأَنَّ أَحَدَ الشَّطْرَيْنِ لَوْ لَزِمَ قَبْلَ وُجُودِ الْآخَرِ لَكَانَ صَاحِبُهُ مَجْبُورًا عَلَى ذَلِكَ الشَّطْرِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

(وَأَمَّا) الْمُبَادَلَةُ بِالْفِعْلِ فَهِيَ التَّعَاطِي وَيُسَمَّى هَذَا الْبَيْعُ بَيْعَ الْمُرَاوَضَةِ وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَلَامُ إيجَابٍ وَقَبُولٍ، فَأَمَّا التَّعَاطِي فَلَمْ يُعْرَفْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ بَيْعًا، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ التَّعَاطِيَ يَجُوزُ فِي الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْأَشْيَاءِ النَّفِيسَةِ، وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ فِي الْأَصْلِ مُطْلَقٌ عَنْ هَذَا التَّفْصِيلِ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ اسْمٌ لِلْمُبَادَلَةِ، وَهِيَ مُبَادَلَةُ شَيْءٍ مَرْغُوبٍ بِشَيْءٍ مَرْغُوبٍ، وَحَقِيقَةُ الْمُبَادَلَةِ بِالتَّعَاطِي وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ، وَإِنَّمَا قَوْلُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ دَلِيلٌ عَلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وَالتِّجَارَةُ عِبَارَةٌ عَنْ جَعْلِ الشَّيْءِ لِلْغَيْرِ بِبَدَلٍ وَهُوَ تَفْسِيرُ التَّعَاطِي وَقَالَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [البقرة: 16] ، أَطْلَقَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - اسْمَ التِّجَارَةِ عَلَى تَبَادُلٍ لَيْسَ فِيهِ قَوْلُ الْبَيْعِ وَقَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إنَّ اللَّهَ {اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] سَمَّى - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مُبَادَلَةَ الْجَنَّةِ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - اشْتِرَاءً وَبَيْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة: 111] ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ الْبَيْعِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُبَادَلَةِ بِالتَّعَاطِي وَهُوَ الْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ، فَهَذَا يُوجَدُ فِي الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ وَالنَّفِيسَةِ جَمِيعًا، فَكَانَ التَّعَاطِي فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْعًا، فَكَانَ جَائِزًا.

[فَصْلٌ فِي شَرَائِطُ رُكْنِ الْبَيْع]
(فَصْلٌ) :
وَأَمَّا شَرَائِطُ الرُّكْنِ فَلَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَتِهَا إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَقْسَامِ الْبِيَاعَاتِ؛ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَعُمُّ الْبِيَاعَاتِ كُلَّهَا، (وَمِنْهَا) مَا يَخُصُّ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ، فَنَقُولُ: الْبَيْعُ فِي الْقِسْمَةِ الْأُولَى يَنْقَسِمُ: قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ، وَقِسْمٌ يَرْجِعُ إلَى الْحُكْمِ.
(أَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلِ فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَرْجِعُ إلَى الْبَدَلَيْنِ.
وَالْآخَرُ يَرْجِعُ إلَى أَحَدِهِمَا وَهُوَ الثَّمَنُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَقُولُ: الْبَيْعُ فِي حَقِّ الْبَدَلَيْنِ يَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ بَيْعُ السِّلَعِ بِالسِّلَعِ، وَيُسَمَّى بَيْعَ الْمُقَايَضَةِ، وَبَيْعُ الْعَيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَيْعُ السِّلَعِ بِالْأَثْمَانِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَبَيْعُهَا بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَبِالْمَكِيلِ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ وَالْمَوْزُونِ الْمَوْصُوفِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ الْمَوْصُوفِ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السَّلَمُ، وَبَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَنِ الْمُطْلَقِ بِالثَّمَنِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ الصَّرْفُ.
(فَأَمَّا) الَّذِي يَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ الثَّمَنُ فَيَنْقَسِمُ فِي حَقِّ الْبَدَلِ، وَهُوَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ: بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَبِيعِ بِأَيِّ ثَمَنٍ اُتُّفِقَ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 134
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست