responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 131
وَقَدْ قُلْت فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ إنَّمَا يَلْبَسُهُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي لَمْ أُكْسِكْهَا لِتَلْبِسَهَا وَفِي رِوَايَةٍ إنَّمَا أَعْطَيْتُك لِتَكْسُوَ بَعْضَ نِسَائِك» فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ وَعَلَيْهِ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ؟» قِيلَ نَعَمْ ثُمَّ نُسِخَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُبَّةً حَرِيرًا أَهْدَاهَا لَهُ أُكَيْدِرُ دُومَةَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْهِيَ عَنْهُ» كَذَا قَالَ أَنَسٌ وَهَذَا فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ.
(وَأَمَّا) فِي حَالِ الْحَرْبِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يُكْرَهُ لُبْسُ الْحَرِيرِ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي حَالِ الْحَرْبِ ضَرُورَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ ضَرَرِ السِّلَاحِ عَنْهُ وَالْحَرِيرُ أَدْفَعُ لَهُ وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ وَأَيْضًا فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إطْلَاقُ التَّحْرِيمِ الَّذِي رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ حَالِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا.
وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الضَّرُورَةِ يَنْدَفِعُ بِلُبْسِ مَا لُحْمَتُهُ حَرِيرٌ وَسَدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ السِّلَاحِ وَتَهَيُّبَ الْعَدُوِّ يَحْصُلُ بِهِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى لُبْسِ الْحَرِيرِ الْخَالِصِ فَلَا تَسْقُطُ الْحُرْمَةُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ فِي الْحُرْمَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَكَرًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَدَارَ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الذُّكُورَةِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» إلَّا أَنَّ اللَّابِسَ إذَا كَانَ صَغِيرًا فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ أَلْبَسَهُ لَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا سُقِيَ خَمْرًا فَشَرِبَهَا كَانَ الْإِثْمُ عَلَى السَّاقِي لَا عَلَيْهِ كَذَا هَهُنَا هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ حَرِيرًا وَهُوَ الْمُصْمَتُ فَإِنْ كَانَتْ لُحْمَتُهُ حَرِيرًا وَسَدَاهُ غَيْرُ حَرِيرٍ لَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ فِي حَالِ الْحَرْبِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ ضَرُورَةِ دَفْعِ مَضَرَّةِ السِّلَاحِ وَتَهَيُّبِ الْعَدُوِّ فَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ فَمَكْرُوهٌ لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَإِنْ كَانَ سَدَاهُ حَرِيرًا وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ لَا يُكْرَهُ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَهَهُنَا نُكْتَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الثَّوْبَ يَصِيرُ ثَوْبًا لِلَّحْمَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِالنَّسْجِ.
وَالنَّسْجُ تَرْكِيبُ اللُّحْمَةِ بِالسَّدَى فَكَانَتْ اللُّحْمَةُ كَالْوَصْفِ الْأَخِيرِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي إبَاحَةَ لُبْسِ الثِّيَابِ الْعَتَّابِيِّ وَالنُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ نُكْتَةُ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ السَّدَى إذَا كَانَ حَرِيرًا وَاللُّحْمَةُ غَيْرُ حَرِيرٍ يَصِيرُ السَّدَى مَسْتُورًا بِاللُّحْمَةِ فَأَشْبَهَ الْحَشْوَ وَهَذِهِ النُّكْتَةُ تَقْتَضِي أَنْ لَا يُبَاحَ لُبْسُ الْعَتَّابِيِّ لِأَنَّ سَدَاهُ ظَاهِرٌ غَيْرُ مَسْتُورٍ وَالصَّحِيحُ هُوَ النُّكْتَةُ الْأُولَى لِأَنَّ رِوَايَةَ الْإِبَاحَةِ فِي لُبْسِ مُطْلَقِ ثَوْبٍ سَدَاهُ حَرِيرٌ وَلُحْمَتُهُ غَيْرُ حَرِيرٍ مَنْصُوصَةٌ فَتَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهَا فَلَا تُنَاسِبُهَا إلَّا النُّكْتَةُ الْأُولَى وَلَوْ جَعَلَ حَشْوَ الْقَبَاءِ حَرِيرًا أَوْ قَزًّا لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالظِّهَارَةِ فَلَمْ يَحْصُلْ مَعْنَى التَّزَيُّنِ وَالتَّنَعُّمِ أَلَا يَرَى أَنَّ لَابِسَ هَذَا الثَّوْبِ لَا يُسَمَّى لَابِسَ الْحَرِيرِ وَالْقَزِّ وَلَوْ جَعَلَ الْحَرِيرَ بِطَانَةً يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَابِسُ الْحَرِيرِ حَقِيقَةً وَكَذَا مَعْنَى التَّنَعُّمِ حَاصِلٌ لِلتَّزَيُّنِ بِالْحَرِيرِ وَلُطْفِهِ.
هَذَا إذَا كَانَ الْحَرِيرُ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كَأَعْلَامِ الثِّيَابِ وَالْعَمَائِمِ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ فَمَا دُونَهَا لَا يُكْرَهُ وَكَذَا الْعَلَمُ الْمَنْسُوجُ بِالذَّهَبِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَتْبُوعِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَابِسَهُ لَا يُسَمَّى لَابِسَ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَكَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعَمُّمِ الْعَمَائِمِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْمُعَلَّمَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَيَكُونُ إجْمَاعًا وَكَذَا الثَّوْبُ وَالْقَلَنْسُوَةُ الَّذِي جُعِلَ عَلَى أَطْرَافِهَا حَرِيرٌ لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ قَدْرَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ فَمَا دُونَهَا لِمَا قُلْنَا.
وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَبِسَ فَرْوَةً وَعَلَى أَطْرَافِهَا حَرِيرٌ» وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَسَعُ ذَلِكَ فِي الْقَلَنْسُوَةِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَإِنَّمَا رَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كَانَ فِي عَرْضِ الثَّوْبِ وَذَكَرَ فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يُكْرَهُ تِكَّةُ الدِّيبَاجِ وَالْإِبْرَيْسَمِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالُ الْحَرِيرِ مَقْصُودًا لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَيُكْرَهُ وَإِنْ قَلَّ بِخِلَافِ الْعَلَمِ وَنَحْوِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ لُبْسِ الْحَرِيرِ.

(فَأَمَّا) حُكْمُ التَّوَسُّدِ بِهِ وَالْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَكْرُوهٌ (لَهُمَا) إطْلَاقُ التَّحْرِيمِ الَّذِي رَوَيْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ اللُّبْسِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ مَعْنَى التَّزَيُّنِ وَالتَّنَعُّمِ كَمَا يَحْصُلُ بِاللُّبْسِ يَحْصُلُ بِالتَّوَسُّدِ وَالْجُلُوسِ وَالنَّوْمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى بِسَاطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مُرْفَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ وَرُوِيَ أَنَّ أَنَسًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَضَرَ وَلِيمَةً فَجَلَسَ عَلَى وِسَادَةِ حَرِيرٍ عَلَيْهَا طُيُورٌ فَدَلَّ فِعْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى رُخْصَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ وَعَلَى الْوِسَادَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا صُورَةٌ وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ التَّحْرِيمِ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ اللُّبْسِ فَيَكُونُ فِعْلُ الصَّحَابِيِّ مُبَيِّنًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا مُخَالِفًا لَهُ وَالْقِيَاسُ بِاللُّبْسِ غَيْرُ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 5  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست