responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 94
لِمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ " أَخْطَأْتَ السُّنَّةَ " وَلِأَنَّ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الَّتِي صَادَفَهَا الطَّلَاقُ فِيهِ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ مِنْ الْعِدَّةِ فَتَطُولُ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا وَذَلِكَ إضْرَارٌ بِهَا، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ لِلْحَاجَةِ هُوَ الطَّلَاقُ فِي زَمَانِ كَمَالِ الرَّغْبَةِ، وَزَمَانُ الْحَيْضِ زَمَانُ النُّفْرَةِ فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ فِيهِ دَلِيلَ الْحَاجَةِ إلَى الطَّلَاقِ فَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ فِيهِ سُنَّةً بَلْ يَكُونُ سَفَهًا.
إلَّا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى يُشْكِلُ بِمَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالصَّحِيحُ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَإِذَا طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُرَاجِعَهَا لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُرَاجِعَهَا وَلِأَنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِلسُّنَّةِ فَتَبِينُ مِنْهُ بِطَلَاقٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَكَانَتْ الرَّجْعَةُ أَوْلَى، وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الرَّجْعَةِ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَذُكِرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا أُعْتِقَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ إذَا أَدْرَكَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْعِنِّينِ وَهِيَ حَائِضٌ وَالثَّانِي الطَّلْقَةُ الْوَاحِدَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَمَلَتْ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ وَعِنْدَ ظُهُورِ الْحَمْلِ يَنْدَمُ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا لَا لِحَاجَةٍ وَفَائِدَةٍ فَكَانَ سَفَهًا فَلَا يَكُونُ سُنَّةً وَلِأَنَّهُ إذَا جَامَعَهَا فَقَدْ قَلَّتْ رَغْبَتُهُ إلَيْهَا فَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ طَلَاقًا لِحَاجَةٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْعَدَدِ فَهُوَ إيقَاعُ الثَّلَاثِ أَوْ الثِّنْتَيْنِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْجَمْعِ بِأَنْ أَوْقَعَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً وَاحِدَةً أَوْ عَلَى التَّفَارِيقِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بَعْدَ أَنْ كَانَ الْكُلُّ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: " لَا أَعْرِفُ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ سُنَّةً وَلَا بِدْعَةً بَلْ هُوَ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ وَالْبِدْعَةُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ احْتَجَّ بِعُمُومَاتِ الطَّلَاقِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236] شَرَعَ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَرْدِ وَالْعَدَدِ وَالْمُفْتَرِقِ وَالْمُجْتَمِعِ وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الطَّلَاقِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ مَشْرُوعٌ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَيْعَ الْخَلِّ وَالصُّفْرِ وَنِكَاحَ الْأَجَانِبِ لَمَّا كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَبَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَنِكَاحُ الْمَحَارِمِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَهُنَا لَمَّا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ دَلَّ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَبِهَذَا عُرِفَتْ شَرْعِيَّةُ الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ وَالثَّلَاثِ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَذَا الْمُجْتَمِعُ.
(وَلَنَا) الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُولُ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] أَيْ فِي أَطْهَارِ عِدَّتِهِنَّ وَهُوَ الثَّلَاثُ فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كَذَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ؛ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الْجَمْعِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَ إيجَابٍ كَانَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَهُوَ الْجَمْعُ نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَإِنْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ كَانَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ وَهُوَ الْجَمْعُ نَهْيَ نَدْبٍ.
وَكُلُّ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الْمُخَالِفِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْآخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وقَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: 229] أَيْ دَفْعَتَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَعْطَى آخَرَ دِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ مَرَّتَيْنِ حَتَّى يُعْطِيَهُ دَفْعَتَيْنِ.
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى ظَاهِرِهِ يُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ مَنْ لَا يَحْتَمِلُ خَبَرُهُ الْخُلْفَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى سَبِيلِ الْجَمْعِ قَدْ يُوجَدُ وَقَدْ يَخْرُجُ اللَّفْظُ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَلَى إرَادَةِ الْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} [البقرة: 228] أَيْ لِيَتَرَبَّصْنَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة: 233] أَيْ لَيُرْضِعْنَ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَا هَذَا، فَصَارَ كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ طَلِّقُوهُنَّ مَرَّتَيْنِ إذَا أَرَدْتُمْ الطَّلَاقَ وَالْأَمْرُ بِالتَّفْرِيقِ نَهْيٌ عَنْ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْجَمْعِ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا عَلَى مَا بَيَّنَّا، فَإِنْ قِيلَ هَذِهِ الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ لِأَنَّهُ ذَكَرَ جِنْسَ الطَّلَاقِ، وَجِنْسُ الطَّلَاقِ ثَلَاثٌ وَالثَّلَاثُ إذَا وَقَعَ دَفْعَتَيْنِ كَانَ الْوَاقِعُ فِي دَفْعَةٍ طَلْقَتَيْنِ فَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الطَّلْقَتَيْنِ فِي دَفْعَةٍ مَسْنُونَتَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا بِتَفْرِيقِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالرَّجْعَةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ أَيْ دَفْعَتَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 229] أَيْ وَهُوَ الرَّجْعَةُ، وَتَفْرِيقُ الطَّلَاقِ وَهُوَ إيقَاعُهُ دَفْعَتَيْنِ لَا يَتَعَقَّبُ الرَّجْعَةَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِتَفْرِيقِ الطَّلَاقَيْنِ مِنْ الثَّلَاثِ لَا بِتَفْرِيقِ كُلِّ جِنْسِ الطَّلَاقِ وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَالْأَمْرُ بِتَفْرِيقِ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست