responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 176
وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ فَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِيلَاءِ عَزَمَ عَلَى مَنْعِ نَفْسِهِ مِنْ إيفَاءِ حَقِّهَا فِي الْجِمَاعِ فِي الْمُدَّةِ، وَأَكَّدَ الْعَزْمَ بِالْيَمِينِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَفِئْ إلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْفَيْءِ فَقَدْ حَقَّقَ الْعَزْمَ الْمُؤَكَّدَ بِالْيَمِينِ بِالْفِعْلِ فَتَأَكَّدَ الظُّلْمُ فِي حَقِّهَا فَتَبِينُ مِنْهُ عُقُوبَةً عَلَيْهِ جَزَاءً عَلَى ظُلْمِهِ، وَمَرْحَمَةً عَلَيْهَا، وَنَظَرًا لَهَا بِتَخْلِيصِهَا عَنْ حِبَالِهِ لِتَتَوَصَّلَ إلَى إيفَاءِ حَقِّهَا مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، وَهَذَا عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: حُكْمُ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الْبِرِّ هُوَ الْوَقْفُ، وَهُوَ أَنْ يُوقَفَ الزَّوْجُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيُخَيَّرَ بَيْنَ الْفَيْءِ إلَيْهَا بِالْجِمَاعِ، وَبَيْنَ تَطْلِيقِهَا، فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ طَلَّقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، فَاشْتَمَلَتْ مَعْرِفَةُ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ لَا يُوقَفُ الْمُولِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عِنْدَنَا بَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَقِبَ انْقِضَائِهَا بِلَا فَصْلٍ، وَعِنْدَهُ يُوقَفُ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالتَّطْلِيقِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْفَيْءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّةِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ.
وَالْمَسْأَلَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226] {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ} [البقرة: 227] خَيَّرَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى الْمُولِيَ بَيْنَ الْفَيْءِ، وَبَيْنَ الْعَزْمِ عَلَى الطَّلَاقِ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَدَلَّ أَنَّ حُكْمَ الْإِيلَاءِ فِي حَقِّ الْبِرِّ هُوَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ بَيْنَ الْفَيْءِ وَالطَّلَاقِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ وَقَّتَ الْفَيْءَ بَعْدَ الْمُدَّةِ لَا فِي الْمُدَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] أَيْ: سَمِيعٌ لِلطَّلَاقِ، فَلَا بُدَّ، وَأَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مَسْمُوعًا، وَذَلِكَ بِوُجُودِ صَوْتِ الطَّلَاقِ إذْ غَيْرُ الصَّوْتِ لَا يَحْتَمِلُ السَّمَاعَ، وَلَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِنَفْسِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وُجِدَ مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْقَاضِي لَمْ يَتَحَقَّقْ صَوْتُ الطَّلَاقِ، فَلَا يَنْعَقِدُ سَمَاعُهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ يَمِينٌ يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَطْ لَا عَلَى الطَّلَاقِ، فَالْقَوْلُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ قَوْلٌ بِالْوُقُوعِ مِنْ غَيْرِ إيقَاعٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
(وَلَنَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَالْوَقْفُ يُوجِبُ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، وَهِيَ مُدَّةُ اخْتِيَارِ الْفَيْءِ أَوْ الطَّلَاقِ مِنْ يَوْمٍ أَوْ سَاعَةٍ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَلِهَذَا لَمَّا جَعَلَ الشَّرْعُ لِسَائِرِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِقْدَارًا مَعْلُومًا مِنْ الْمُدَّةِ، وَمُدَّةُ الْعِنِّينِ لَمْ تَحْتَمِلْ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ فَكَذَا مُدَّةُ الطَّلَاقِ؛ وَلِأَنَّ الْفَيْءَ نَقَضَ الْيَمِينَ، وَنَقْضُهَا حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] إلَّا أَنَّهُ ثَبَتَ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُدَّةِ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " فَإِنْ فَاءُوا فِيهِنَّ " فَبَقِيَ النَّقْضُ حَرَامًا فِيمَا وَرَاءَهَا، فَلَا يَحِلُّ الْفَيْءُ فِيمَا وَرَاءَهَا فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالْفَيْءِ فِي الْمُدَّةِ، وَبِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ مُضِيِّهَا؛ وَلِأَنَّ الْإِيلَاءَ كَانَ طَلَاقًا مُعَجَّلًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَجَعَلَهُ الشَّرْعُ طَلَاقًا مُؤَجَّلًا، وَالطَّلَاقُ الْمُؤَجَّلُ يَقَعُ نَفْسِ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ مِنْ غَيْرِ إيقَاعِ أَحَدٍ بَعْدَهُ كَمَا إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْفَيْءَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " فَنَعَمْ، لَكِنْ هَذَا لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْفَيْءُ بَعْدَ مُضِيِّهَا.
أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ذَكَرَ تَعَالَى الْإِمْسَاكَ بِمَعْرُوفٍ بَعْدَ بُلُوغِ الْأَجَلِ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَهُوَ الْعِدَّةُ بَلْ يُوجِبُ الْإِمْسَاكَ، وَهُوَ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ، وَالْبَيْنُونَةُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، كَذَا هَهُنَا.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 227] فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ " سَمِيعٌ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَيْ: سَمِيعٌ بِإِيلَائِهِ، وَالْإِيلَاءُ مِمَّا يُنْطَقُ بِهِ، وَيُقَالُ فَيَكُونُ مَسْمُوعًا.
وقَوْله تَعَالَى " عَلِيمٌ " يَنْصَرِفُ إلَى الْعَزْمِ أَيْ: عَلِيمٌ بِعَزْمِهِ الطَّلَاقَ، وَهُوَ تَرْكُ الْفَيْءِ، وَدَلِيلُ صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ قَوْلَهُ " سَمِيعٌ عَلِيمٌ " عَقِيبَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَحْتَمِلُ، وَهُوَ الْإِيلَاءُ، وَالْآخَرُ لَا يَحْتَمِلُ، وَهُوَ عَزْمُ الطَّلَاقِ فَيَنْصَرِفُ كُلُّ لَفْظٍ إلَى مَا يَلِيقُ بِهِ لِيُفِيدَ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] عَقِيبَ ذِكْرِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ بِقَوْلِهِ {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67] أَنَّهُ صَرَفَ إلَى كُلِّ مَا يَلِيقُ بِهِ لِيُفِيدَ فَائِدَتَهُ، وَهُوَ السُّكُونُ إلَى اللَّيْلِ وَابْتِغَاءُ الْفَضْلِ إلَى النَّهَارِ.
كَذَا هَهُنَا؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ أَنَّهُ " سَمِيعٌ عَلِيمٌ " وَكُلُّ مَسْمُوعٍ مَعْلُومٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَعْلُومٍ مَسْمُوعًا؛ لِأَنَّ السَّمَاعَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلصَّوْتِ، فَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي الْإِيلَاءِ بِالْقَوْلِ لَكَانَ مَسْمُوعًا، وَالْإِيلَاءُ مَسْمُوعٌ أَيْضًا فَوَقَعَتْ الْكِفَايَةُ بِذِكْرِ السَّمِيعِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ الْعَلِيمِ فَائِدَةٌ مُبْتَدَأَةٌ.
وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قُلْنَا إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عِنْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ يُسْمَعُ لَانْصَرَفَ ذِكْرُ الْعَلِيمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَسْمُوعٍ

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 176
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست