responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 150
اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ نَوْعِهِ أَوْ قَدْرِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ وَعَلَى الزَّوْجِ الْبَيِّنَةُ،؛ لِأَنَّ قَبُولَ الْبَدَلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي عَلَيْهَا شَيْئًا وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُكِ أَمْسِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلِي، فَقَالَتْ: لَا بَلْ كُنْتُ قَبِلْتُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ لِإِنْسَانٍ: بِعْتُك هَذَا الْعَبْدَ أَمْسِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَمْ تَقْبَلْ فَقَالَ: لَا، بَلْ قَبِلْتُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الزَّوْجَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَمْ يَصِرْ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلِي؛ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ طَلَّقَتْك أَمْسِ عَلَى أَلْفٍ يُسَمَّى طَلَاقًا عَلَى أَلْفٍ قَبِلَتْهُ الْمَرْأَةُ أَوْ لَمْ تَقْبَلْ فَلَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلِي مُنَاقِضًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِدُونِ الْقَبُولِ لَا يُسَمَّى بَيْعًا فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِالْإِيجَابِ إقْرَارًا بِالْقَبُولِ فَصَارَ الْبَائِعُ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ فَلَمْ تَقْبَلْ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ فِي بَابِ الطَّلَاقِ تَدَّعِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي وُجُودَ شَرْطِ الْوُقُوعِ، وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْوُقُوعِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُنْكِرِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

(وَأَمَّا) بَيَانُ قَدْرِ مَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ وَمَا لَا يَحِلُّ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ النُّشُوزَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَإِمَّا إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الْعِوَضِ عَلَى الْمُخْلِعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20] نَهَى عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا آتَاهَا مِنْ الْمَهْرِ وَأَكَّدَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 20] ، وَقَوْلُهُ: {وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19] أَيْ: لَا تُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] أَيْ: إلَّا أَنْ يَنْشُزْنَ؛ نَهَى الْأَزْوَاجَ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَوْهُنَّ وَاسْتَثْنَى حَالَ نُشُوزِهِنَّ.
وَحُكْمُ الْمُسْتَثْنَى يُخَالِفُ حُكْمَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَيَقْتَضِي حُرْمَةَ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَوْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ النُّشُوزِ مِنْهُنَّ، وَهَذَا فِي حُكْمِ الدِّيَانَةِ، فَإِنْ أَخْذَ جَازَ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ وَلَزِمَ حَتَّى لَا يَمْلِكَ اسْتِرْدَادَهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ أَسْقَطَ مِلْكَهُ عَنْهَا بِعِوَضٍ رَضِيَتْ بِهِ، وَالزَّوْجُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْقَاطِ.
وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ الْمُعَاوَضَةِ وَالرِّضَا فَيَجُوزُ فِي الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا قَدْرَ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19] أَيْ: إلَّا أَنْ يَنْشُزْنَ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُهُ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ؛ قِيلَ أَيْ: لَا جُنَاحَ عَلَى الزَّوْجِ فِي الْأَخْذِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ فِي الْإِعْطَاءِ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَهْرِ فَفِيهَا رِوَايَتَانِ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ.
وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ - وَهُوَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ - وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] ، رَفَعَ الْجُنَاحَ عَنْهُمَا فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَهْرَ الْمِثْلِ أَوْ زِيَادَةً عَلَيْهِ، فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَلِأَنَّهَا أَعْطَتْ مَالَ نَفْسِهَا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْ قِبَلِهِ؛ لِأَنَّ النُّشُوزَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ كَانَتْ هِيَ مَجْبُورَةً فِي دَفْعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مَعَ رَغْبَتِهَا فِي الزَّوْجِ لَا تُعْطِي إذَا كَانَتْ مُضْطَرَّةً مِنْ جِهَتِهِ بِأَسْبَابٍ أَوْ مُغْتَرَّةً بِأَنْوَاعٍ التَّغْرِيرِ وَالتَّزْوِيرِ فَكُرِهَ الْأَخْذُ.
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] إلَى قَوْلِهِ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] نَهَى عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِمَّا أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ وَاسْتَثْنَى الْقَدْرَ الَّذِي أَعْطَاهَا مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ خَوْفِهِمَا تَرْكَ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ عَلَى مَا نَذْكُرُ، وَالنَّهْيُ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ نَهْيٌ عَنْ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَهْرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى كَالنَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ أَنَّهُ يَكُونُ نَهْيًا عَنْ الضَّرْبِ - الَّذِي هُوَ فَوْقَهُ - بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
وَرُوِيَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ لِامْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَزِيَادَةً قَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا» نَهَى عَنْ الزِّيَادَةِ مَعَ كَوْنِ النُّشُوزِ مِنْ قِبَلِهَا وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ {فِيمَا افْتَدَتْ} [البقرة: 229] قَدْرُ الْمَهْرِ لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ عَامًّا عَرَفْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ وَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: فِي صَدْرِ الْآيَةِ {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229] ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ مَا آتَاهَا فَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِهَا - وَهُوَ قَوْلُهُ: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]- مَرْدُودًا إلَى أَوَّلِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ {فِيمَا افْتَدَتْ} [البقرة: 229] أَيْ: بِمَا آتَاهَا

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست