responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 1  صفحه : 142
بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي قَاعِدًا يُومِئُ بِالْإِمَامِ الْقَاعِد الْمُومِئ، وَبَيْنَمَا إذَا كَانَ قَائِمًا وَالْإِمَامُ قَاعِدٌ، وَلِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ؟ فَكَانَ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ.

وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْغَاسِلِ بِالْمَاسِحِ عَلَى الْخُفِّ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، وَبَدَلُ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ أَوْ تَعَذُّرِ تَحْصِيلِهِ، فَقَامَ الْمَسْحُ مَقَامَ الْغَسْلِ فِي حَقِّ تَطْهِيرِ الرِّجْلَيْنِ لِتَعَذُّرِ غَسْلِهِمَا عِنْدَ كُلِّ حَدَثٍ خُصُوصًا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ عَلَى مَا مَرَّ، فَانْعَقَدَتْ تَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ لِلصَّلَاةِ مَعَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِانْعِقَادِهَا لِمَا هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ، فَصَحَّ بِنَاءُ تَحْرِيمَةِ الْمُقْتَدِي عَلَى تِلْكَ التَّحْرِيمَةِ، وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْقَدَمِ حَصَلَتْ بِالْغَسْلِ السَّابِقِ، وَالْخُفُّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ، فَكَانَ هَذَا اقْتِدَاءُ الْغَاسِلِ بِالْغَاسِلِ فَصَحَّ، وَكَذَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْغَاسِلِ بِالْمَاسِحِ عَلَى الْجَبَائِرِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَسْحِ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَيُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَعْنَى الِاقْتِدَاءِ فِيهِ.

وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِالْقَاعِدِ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ اسْتِحْسَانًا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ اقْتِدَاءُ الْقَائِمِ الْمُومِئِ بِالْقَاعِدِ الْمُومِئِ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا» أَيْ لِقَائِمٍ، لِإِجْمَاعِنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَمَّ لِجَالِسٍ جَازَ، وَلِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ أَعْلَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ فَلَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ كَاقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ السَّاجِدِ بِالْمُومِئِ، وَاقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ.
(وَفِقْهُهُ) مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَبْنِي تَحْرِيمَتَهُ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ، وَتَحْرِيمَةُ الْإِمَامِ مَا انْعَقَدَتْ لِلْقِيَامِ بَلْ انْعَقَدَتْ لِلْقُعُودِ فَلَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْقِيَامِ عَلَيْهَا، كَمَا لَا يُمْكِنُ بِنَاءُ الْقِرَاءَةِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْأُمِّيِّ، وَبِنَاءُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْمُومِئِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ «آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ قَاعِدًا وَأَصْحَابُهُ خَلْفَهُ قِيَامٌ يَقْتَدُونَ بِهِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ضَعُفَ فِي مَرَضِهِ قَالَ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلِيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: قُولِي لَهُ إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إذَا وَقَفَ فِي مَكَانِكَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ فَقَالَتْ حَفْصَةُ ذَلِكَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنْتُنَّ صُوَيْحِبَاتُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلَمَّا افْتَتَحَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّلَاةَ وَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ وَهُوَ يُهَادَى بَيْنَ عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ، وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ الْأَرْضَ حَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِسَّهُ تَأَخَّرَ، فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسَ يُصَلِّي، وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ، يَعْنِي أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَسْمَعُ تَكْبِيرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُكَبِّرُ، وَالنَّاسُ يُكَبِّرُونَ بِتَكْبِيرِ أَبِي بَكْرٍ» ، فَقَدْ ثَبَتَ الْجَوَازُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُ النَّسْخِ عَلَيْهِ، وَلَوْ تُوُهِّمَ وُرُودُ النَّسْخِ يَثْبُتُ الْجَوَازُ مَا لَمْ يَثْبُتْ النَّسْخُ، فَإِذَا لَمْ يُتَوَهَّمُ وُرُودُ النَّسْخِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقُعُودَ غَيْرُ الْقِيَامِ، وَإِذَا أُقِيمَ شَيْءٌ مَقَامَ غَيْرِهِ جُعِلَ بَدَلًا عَنْهُ، كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مَعَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ وَالْحَقِيقَةِ.
(أَمَّا) الْحَقِيقَةُ فَلِأَنَّ الْقِيَامَ اسْمٌ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهُمَا الِانْتِصَابَانِ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَالنِّصْفِ الْأَسْفَلِ، فَلَوْ تَبَدَّلَ الِانْتِصَابُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى بِمَا يُضَادُّهُ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ سُمِّيَ رُكُوعًا لِوُجُودِ الِانْحِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْحِنَاءِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ النِّصْفِ الْأَسْفَلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ وِفَاقًا، فَأَمَّا هُوَ فِي اللُّغَةِ فَاسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ فَحَسْبُ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ، وَلَوْ تَبَدَّلَ الِانْتِصَابُ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ بِمَا يُضَادُّهُ وَهُوَ انْضِمَامُ الرِّجْلَيْنِ وَإِلْصَاقُ الْأَلْيَةِ بِالْأَرْضِ يُسَمَّى قُعُودًا، فَكَانَ الْقُعُودُ اسْمًا لِمَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَهُمَا الِانْتِصَابُ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى وَالِانْضِمَامُ وَالِاسْتِقْرَارُ عَلَى الْأَرْضِ فِي النِّصْفِ الْأَسْفَلِ، فَكَانَ الْقُعُودُ مُضَادًّا لِلْقِيَامِ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ، وَكَذَا الرُّكُوعُ، وَالرُّكُوعُ مَعَ الْقُعُودِ يُضَادُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ صِفَةُ النِّصْفِ الْأَعْلَى، وَاسْمُ الْمَعْنَيَيْنِ يَفُوتُ بِالْكُلِّيَّةِ بِوُجُودِ مُضَادِّ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ كَالْبُلُوغِ وَالْيُتْمِ، فَيَفُوتُ الْقِيَامُ بِوُجُودِ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَا قُمْتُ بَلْ قَعَدْتُ، وَمَا أَدْرَكْتُ الْقِيَامَ بَلْ أَدْرَكْتُ الرُّكُوعَ - لَمْ يُعَدَّ مُنَاقِضًا فِي كَلَامِهِ.
وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ مَا صَارَ الْقِيَامُ لِأَجْلِهِ طَاعَةً يَفُوتُ عِنْدَ الْجُلُوسِ بِالْكُلِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ إنَّمَا صَارَ طَاعَةً لِانْتِصَابِ نِصْفِهِ الْأَعْلَى، بَلْ لِانْتِصَابِ رِجْلَيْهِ، لِمَا يَلْحَقُ رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَهُوَ بِالْكُلِّيَّةِ يَفُوتُ عِنْدَ الْجُلُوسِ، فَثَبَتَ حَقِيقَةً

نام کتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع نویسنده : الكاساني، علاء الدين    جلد : 1  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست