responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 9  صفحه : 168
بِسَارِقٍ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقِيلَ: إنَّمَا سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اقْطَعُوهُ ثُمَّ ذَكَرَ هَكَذَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى أَنْ قَالَ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ اُقْتُلُوهُ؟» فَقَدْ عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَرِيقِ الْوَحْيِ وُجُوبَ الْقَتْلِ عَلَيْهِ وَلَمَّا خَافَ أَنْ يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ مُوجِبَ السَّرِقَةِ الْقَتْلُ أَمَرَ بِقَطْعِهِ حَتَّى تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ مُسْتَوْجِبًا لِلْقَتْلِ يُبَاحُ قَطْعُ الْأَعْضَاءِ مِنْهُ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَاخْتِلَافُهُمْ يُورِثُ شُبْهَةً، ثُمَّ أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ حَاجَّهُمْ بِالْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ إنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنْ اللَّهِ أَنْ لَا أَدَعَ لَهُ يَدًا يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلًا يَمْشِي عَلَيْهَا، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَفِي اسْتِيفَاءِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ إتْلَافٌ حُكْمًا أَوْ شُبْهَةَ الْإِتْلَافِ، الشُّبْهَةُ تَعْمَلُ عَمَلَ الْإِتْلَافِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْإِمَامَ مَأْمُورٌ بِالتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِتْلَافِ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُقِيمُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ وَلَا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْإِتْلَافِ؟ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحَسْمِ بَعْدَ الْقَطْعِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْإِتْلَافِ، وَأَنَّهُ يَقْطَعُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الرِّجْلَ الْيُسْرَى وَالْيَدَ إلَى الْيَدِ أَقْرَبَ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ لَا يَتَحَوَّلُ إلَى الرِّجْلِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْيَدَيْنِ.
وَإِنَّمَا شُرِعَ التَّرْتِيبُ هَكَذَا لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْإِتْلَافِ الْحُكْمِيِّ فَدَلَّ أَنَّهُ شُرِعَ زَاجِرًا لَا مُتْلِفًا، وَفِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ إتْلَافٌ لِلشَّخْصِ حُكْمًا، فَإِنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ عَلَى الْكَمَالِ، وَبَقَاءُ الشَّخْصِ حُكْمًا بِبَقَاءِ مَنَافِعِهِ، فَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ مِنْ الْعَبْدِ كُلُّ قِيمَةِ النَّفْسِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إعْتَاقُ مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ فِي الْكَفَّارَةِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ حُكْمًا، وَفِيهِ شُبْهَةُ الْإِتْلَافِ وَالشُّبْهَةُ كَالْحَقِيقَةِ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَالْمُسْتَحَقُّ هُنَاكَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ دُونَ التَّحَرُّزِ عَنْ الْإِتْلَافِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِتْلَافَ الْحَقِيقِيَّ يَسْتَحِقُّ بِهِ إذَا كَانَ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَمَّا الْحَدَّادُ إنَّمَا لَا يَضْمَنُ إذَا قَطَعَ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ مِنْ جِنْسِ مَا فَوَّتَ عَلَيْهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهُ وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَإِنَّمَا أَسْقَطْنَا ضَمَانَ الْمَسْرُوقِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى التَّعْوِيضِ، وَلِأَنَّ الْحَدَّادَ مُجْتَهِدٌ فَاعْتَمَدَ ظَاهِرَ النَّصِّ فِيمَا صَنَعَ فَنَفَذَ اجْتِهَادُهُ، وَلَمْ يَكُنْ ضَامِنًا.
وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُسْرَى فِي الِابْتِدَاءِ عِنْدَكُمْ لَا تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى قُلْنَا الْيَدُ الْيُمْنَى مَحَلُّ بِالنَّصِّ، وَلَكِنْ لِلِاسْتِيفَاءِ شَرْطٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الشَّرْطُ إذَا كَانَ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 9  صفحه : 168
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست