responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 277
- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ أُتِيَ يَوْمًا بِقَدَحٍ تَنَدَّتْ بِعَسَلٍ وَبَرْدٍ لَهُ فَقَرَّبَهُ إلَى فِيهِ ثُمَّ رَدَّهُ وَأَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَقَالَ أَرْجُو أَنْ لَا أَكُونَ مِنْ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمْ {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} [الأحقاف: 20] الْآيَةَ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ تَنَاوُلَ ذَلِكَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ قَرَّبَهُ إلَى فِيهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْهُ أَفْضَلُ وَالثَّانِي حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ اشْتَرَى جَارِيَةً وَأَمَرَ بِهَا فَزُيِّنَتْ لَهُ وَأُدْخِلَتْ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهَا بَكَى وَقَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا أَكُونَ مِنْ الَّذِينَ يَتَوَصَّلُونَ إلَى جَمِيعِ شَهَوَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ دَعَا شَابًّا مِنْ الْأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ فَأَهْدَاهَا لَهُ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: 9] الْآيَةَ، وَلِأَنَّ أَفْضَلَ مَنَاهِجِ الدِّينِ طَرِيقُ الْمُرْسَلِينَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -، وَقَدْ كَانَ طَرِيقُهُمْ الِاكْتِفَاءَ بِمَا دُونَ هَذَا فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ.
وَكَذَا نَبِيُّنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رُبَّمَا أَصَابَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - «لَيْتَ لَنَا مَلْتُوتًا نَأْكُلُهُ فَجَاءَ بِهِ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَصْعَةٍ فَقِيلَ: إنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ، وَقِيلَ لَمْ يُصِبْ وَأَمَرَ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ» ثُمَّ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَنَاوُلِ الْخُبْزِ إلَى الشِّبَعِ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ سِوَى الْعَرْضِ عَلَى مَا رُوِيَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَوْله تَعَالَى {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاكَ الْعَرْضُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَمَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» وَمَعْنَى الْعَرْضِ بَيَانُ الْمِنَّةِ وَتَذْكِيرِ النِّعْمَةِ وَالسُّؤَالِ أَنَّهُ هَلْ قَامَ بِشُكْرِهَا؟ وَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة: 19] الْآيَةَ أَنَّهُ الْعَرْضُ بِمِثْلِ هَذَا، وَأَمَّا فِي اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ مِنْ الْحَلَالِ وَتَنَاوُلِ اللَّذَّاتِ، فَهُوَ مُحَاسَبٌ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ مُعَاقَبٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِفَةِ الدُّنْيَا «حَلَالُهَا حِسَابٌ وَحَرَامُهَا عِقَابٌ» وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَفْضَلُ حَدِيثُ «الضَّحَّاكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَافِدًا مِنْ قَوْمِهِ وَكَانَ مُتَنَعِّمًا فِيهِمْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا طَعَامُك يَا ضَحَّاكُ قَالَ اللَّحْمُ وَالْعَسَلُ وَالزَّيْتُ وَلُبُّ الْخُبْزِ قَالَ ثُمَّ تَصِيرُ إلَى مَاذَا فَقَالَ أَصِيرُ إلَى مَا يَعْلَمُهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ضَرَبَ لِلدُّنْيَا مَثَلًا بِمَا يَخْرُجُ مِنْ ابْنِ آدَمَ ثُمَّ قَالَ لَهُ إيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ»، فَقَدْ بَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ طَعَامَهُ، وَإِنْ كَانَ لَذِيذًا طَيِّبًا فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ إلَى الْخُبْثِ وَالنَّتِنِ فِي الِانْتِهَاءِ، فَهُوَ مِثْلُ الدُّنْيَا، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِمَا دُونَ ذَلِكَ أَفْضَلُ، وَفِي حَدِيثِ «الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ فِيهَا خُبْزُ شَعِيرٍ وَزَيْتٌ فَجَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ وَيَدْعُو الْأَحْنَفَ إلَى أَكْلِهِ وَكَانَ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست