responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 26  صفحه : 65
انْعِدَامِ الْقَصْدِ مِنْهُ إلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا آلَةُ الضَّرْبِ لِلتَّأْدِيبِ دُونَ الْقَتْلِ، وَالْعَاقِلُ إنَّمَا يَقْصِدُ كُلَّ فِعْلٍ بِآلَتِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ آلَةَ التَّأْدِيبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الْقَتْلِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ لِشِبْهِ الْعَمْدِ صُورَةً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَانَ قَاصِدًا إلَى الضَّرْبِ، وَإِلَى ارْتِكَابِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ.
وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا أَدْرِي مَا شِبْهُ الْعَمْدِ، وَإِنَّمَا الْقَتْلُ نَوْعَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا»، وَالصَّحَابَةُ اتَّفَقُوا عَلَى شِبْهِ الْعَمْدِ حَيْثُ أَوْجَبُوا الدِّيَةَ فِيهِ مُغَلَّظَةً مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شِبْهُ الْعَمْدِ الضَّرْبَةُ بِالْعَصَا وَالْعَزْقَةُ بِالْحَجَرِ الْعَظِيمِ.
فَأَمَّا بَيَانُ أَحْكَامِ شِبْهُ الْعَمْدِ فَنَقُولُ: إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ، وَالْخَطَأِ مِنْ حَيْثُ انْعِدَامُ الْقَصْدِ إلَى الْقَتْلِ، وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهِيَ تَعَمُّدُ الْمُسَاوَاةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ قَتْلٍ مَقْصُودٍ وَقَتْلٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ، ثُمَّ هَذَا الْقَتْلُ لَمَّا اجْتَمَعَ فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، وَالْآخَرُ يَمْنَعُ تَرَجَّحَ الْمَانِعُ عَلَى الْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ فِي إبْقَاءِ النَّفْسِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، فَإِنَّ الْإِبْقَاءَ حَيَاةٌ حَقِيقَةً، وَفِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ حُكْمًا فَلِهَذَا لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إيجَابُ الْقَوَدِ وَجَبَتْ الدِّيَةُ، وَهِيَ مُغَلَّظَةٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الدِّيَةَ مُغَلَّظَةً فِي شِبْهِ الْعَمْدِ، وَهَذَا التَّغْلِيظُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي أَسْنَانِ الْإِبِلِ إذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ مِنْهَا لَا فِي شَيْءٍ آخَرَ، وَهَذِهِ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِمَنْزِلَةِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمِّ يَقُولُ: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِحَالٍ؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] «؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي رِمْثَةَ حِينَ دَخَلَ عَلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْك، وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» أَيْ لَا يُؤْخَذُ بِجِنَايَتِك، وَلَا تُؤْخَذُ بِجِنَايَتِهِ. وَلِأَنَّ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ دُونَ غَيْرِهِ بِمَنْزِلَةِ غَرَامَاتِ الْأَمْوَالِ، وَهَذَا أَوْلَى
؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْمُتْلِفِ فِي إتْلَافِ النَّفْسِ أَعْظَمُ مِنْ جِنَايَتِهِ فِي إتْلَافِ الْأَمْوَالِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عَقْلَ جِنَايَةِ كُلِّ بَطْنٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَيْهِمْ»، وَفِي حَدِيثِ «حَمْدَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَابِغَةَ قَالَ: كُنْت بَيْنَ جَارِيَتَيْنِ لِي فَضَرَبَتْ أَحَدُهُمَا بَطْنَ صَاحِبَتِهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ أَوْ بِمِسْطَحِ خَيْمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَاخْتَصَمَ أَوْلِيَاؤُهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 26  صفحه : 65
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست