responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 24  صفحه : 5
وَمَتَى كَانَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً بِاللَّفْظِ تَنَحَّى الْمَجَازُ، وَهَبْكَ أَنَّ الْخَمْرَ يُسَمَّى لِمَعْنَى مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ، فَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْفَرَسَ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ شِقَّيْهِ أَبْيَضَ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ يُسَمَّى أَبْلَقَ، ثُمَّ الثَّوْبُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ لَوْنُ السَّوَادِ، وَالْبَيَاضِ لَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ النَّجْمُ يُسَمَّى نَجْمًا لِظُهُورِهِ، قَالُوا: نَجَمَ أَيْ ظَهَرَ، ثُمَّ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَظْهَرُ يُسَمَّى نَجْمًا، وَإِمَامُنَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ إبَاحَةِ شُرْبِ الْمُثَلَّثِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْأَسَدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَاهُ بِكِتَابِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَأْمُرُهُ أَنْ يَتَّخِذَ الشَّرَابَ الْمُثَلَّثَ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ، وَكَانَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ لَا أَدَعُ شُرْبَهَا بَعْدَ مَا رَأَيْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَشْرَبُهَا، وَيَسْقِيهَا النَّاسَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هُوَ الَّذِي سَأَلَ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، فَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ، أَوْ يَسْقِي النَّاسَ مَا تَنَاوَلَهُ نَصُّ التَّحْرِيمِ بِوَجْهٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَشْرَبُ الْحُلْوَ مِنْهُ دُونَ الْمُسْكِرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَدْ ذَهَبَ بِالطَّبْخِ نَصِيبُ الشَّيْطَانِ وَرِبْحُ جُنُونِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يَشْرَبُ ذَلِكَ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ بِالْمُشْتَدِّ مِنْهُ دُونَ الْحُلْوِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْآثَارُ الَّتِي بَدَأَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِهَا الْكِتَابَ، فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ زِيَادٍ قَالَ: سَقَانِي ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شُرْبَةً مَا كِدْت أَهْتَدِي إلَى مَنْزِلِي، فَغَدَوْت عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَأَخْبَرْته بِذَلِكَ، فَقَالَ مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ مَعْرُوفًا بِالزُّهْدِ، وَالْفِقْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، فَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَسْقِي غَيْرَهُ مَا لَا يَشْرَبُهُ، وَلَا أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُ مَا يَتَنَاوَلُهُ نَصُّ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا سَقَاهُ كَانَ مُشْتَدًّا حَتَّى أَثَّرَ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ مَا كَانَ يَهْتَدِي إلَى أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ التَّأْثِيرِ فِيهِ لَا حَقِيقَةَ السُّكْرِ، فَإِنْ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَفِي قَوْلِهِ مَا زِدْنَاك عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشُرْبِ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَطْبُوخِ مِنْ مَاءِ الزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَدًّا، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِشَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْمُتَقَشِّفَةُ: إنَّهُ لَا يَحِلُّ شَرَابُ الْخَلِيطَيْنِ.
وَإِنْ كَانَ حُلْوًا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ شَرَابِ الْخَلِيطَيْنِ»، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَمَانِ الْجَدْبِ كُرِهَ لِلْأَغْنِيَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ، وَفِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ، وَعَنْ الْقِرَانِ بَيْنَ النِّعْمَتَيْنِ، وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ نِعْمَتَيْنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْقَحْطِ حَدِيثُ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كُنْت أَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرًا، فَلَمْ يَسْتَمْرِئْهُ، فَأَمَرَنِي، فَأَلْقَيْت فِيهِ زَبِيبًا»، وَلَمَّا جَازَ اتِّخَاذُ الشَّرَابِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَاءِ السُّكَّرِ، وَالْفَانِيذِ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 24  صفحه : 5
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست