responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 24  صفحه : 151
[بَابُ مَا يَسَعُ الرَّجُلَ فِي الْإِكْرَاهِ وَمَا لَا يَسَعُهُ.]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا أُكْرِهَ الرَّجُلُ بِوَعِيدِ تَلَفٍ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ، أَوْ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ آثِمًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَالْمَيْتَةُ، وَالْخَمْرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَتْلَفُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الَّذِي يَخَافُ الْهَلَاكَ مِنْ الْجُوعِ، وَالْعَطَشِ إذَا وَجَدَ مَيْتَةً، أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ أَوْ دَمًا، فَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ كَانَ آثِمًا، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الْخَمْرُ، وَالتَّحَرُّز عَنْ قَوْلِ مَنْ خَالَفْنَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَطَشِ، وَفَائِدَةٌ: وَذَكَرَهُ عَنْ مَسْرُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ، أَوْ لَحْمِ خِنْزِيرٍ، أَوْ دَمٍ، فَلَمْ يَأْكُلْ، وَلَمْ يَشْرَبْ، فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ، وَهَذَا دَلِيلُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِدُخُولِ الدَّارِ لِمَنْ يَرْتَكِبُ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ حَتَّى اشْتَغَلَ بَعْضُهُمْ بِالتَّأْوِيلِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالُوا: مُرَادُهُ الدُّخُولُ الَّذِي هُوَ تَحِلَّةُ الْقَسَمِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَإِنْ مِنْكُمْ إلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71] أَيْ دَاخِلُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ وَلَكِنَّ هَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ الْجَزَاءِ عَلَى ارْتِكَابِ مَا لَا يَحِلُّ، وَلَكِنْ لَا يَظُنُّ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ أَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ نَفْيَ الْمَشِيئَةِ، وَقَطْعَ الْقَوْلِ بِالْعَذَابِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ يَسَعُهُ رَجَوْت أَنْ لَا يَكُونَ آثِمًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحَرُّزَ عَنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ فِي زَعْمِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ انْكِشَافَ الْحُرْمَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ دَلِيلُهُ خَفِيٌّ، فَيُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ كَمَا أَنَّ عَدَمَ وُصُولِ الْخِطَابِ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَهِرَ يُجْعَلُ عُذْرًا لَهُ فِي تَرْكِ مَا ثَبَتَ بِخِطَابِ الشَّرْعِ يَعْنِي الصَّلَاةَ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي فَصْلِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْكُفْرِ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَأْجُورٌ فِيهِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ الْمُجْبَرَ فِي نَفْسِهِ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنْ أَبَى الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ، وَحَدِيثُ خُبَيْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ مَعْرُوفٌ، وَأَشَارَ إلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا أَنَّ إجْرَاءَ كَلِمَةِ الشِّرْكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُخْصَةٌ لَهُ، وَالِامْتِنَاعُ هُوَ الْعَزِيمَةُ فَإِنْ تَرَخَّصَ بِالرُّخْصَةِ وَسِعَهُ، وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالْعَزِيمَةِ كَانَ أَفْضَلَ لَهُ؛ لِأَنَّ فِي تَمَسُّكِهِ بِالْعَزِيمَةِ إعْزَازُ الدِّينِ، وَغَيْظُ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ أَفْضَلَ، وَعَلَى هَذَا إذَا قِيلَ لَهُ: لَئِنْ صَلَّيْت لَأَقْتُلَنَّكَ فَخَافَ ذَهَابَ الْوَقْتِ، فَقَامَ، وَصَلَّى، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسَعُهُ تَرْكُهُ فَلَمَّا صَلَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَمَسَّكَ بِالْعَزِيمَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ صَوْمُ رَمَضَانَ لَوْ قِيلَ لَهُ: وَهُوَ مُقِيمٌ لَئِنْ لَمْ تُفْطِرْ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 24  صفحه : 151
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست