responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 16  صفحه : 73
دَفَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر: 48] وَكَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ نَافَقَ وَأَظْهَرَ مَا يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ خِلَافَهُ فَقَدْ كَانَ قَصْدُهُ مِنْ ذَلِكَ حِفْظَ مَاءِ وَجْهِهِ يُلْقَى فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ وَلَا يَسْتَقِرُّ إلَّا فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَهْوَاةٍ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَهَذَا بَيَانٌ فِي قَوْله تَعَالَى {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ} [النساء: 145] قَالَ وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اُبْتُلِيَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَكَأَنَّمَا يَذْبَحُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَالْحَصَّافُ يَرْوِي هَذَا «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ فَكَأَنَّمَا ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ»، وَفِيهِ بَيَانُ التَّحْرِيزِ عَنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ التَّقَلُّدِ فَكُلُّ عَاقِلٍ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَنْ يَذْبَحَ نَفْسَهُ بِغَيْرِ سِكِّينٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَحَرُّزَهُ عَنْ طَلَبِ الْقَضَاءِ بِتِلْكَ الصِّفَةِ فَذِكْرُ الْمَثَلِ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لِلتَّقْرِيبِ مِنْ الْفَهْمِ.
(قَالَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَزْدَرِيَ بِهَذَا اللَّفْظِ كَيْ لَا يُصِيبَهُ مَا أَصَابَ ذَلِكَ الْقَاضِيَ فَقَدْ حُكِيَ أَنَّ قَاضِيًا رُوِيَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فَازْدَرَى بِهِ. وَقَالَ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا، ثُمَّ دَعَا فِي مَجْلِسِهِ بِمَنْ يُسَوِّي شَعْرَهُ فَجَعَلَ الْحَلَّاقُ بَعْضَ الشَّعْرِ مِنْ تَحْتِ ذَقَنِهِ إذْ عَطَسَ فَأَصَابَهُ الْمُوسَى فَأَلْقَى رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ

قَالَ وَمَنْ اُبْتُلِيَ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلْيُنْصِفْهُمَا فِي الْكَلَامِ وَالنَّظَرِ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا مَا لَا يَرْفَعُ عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فَائِدَةَ هَذَا اللَّفْظِ، وَمَا يُؤْمَرُ بِهِ الْقَاضِي مِنْ التَّسْوِيَةِ وَعَنْ عَامِرٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ فَحَكَّمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَتَيَاهُ فِي مَنْزِلِهِ قَالَ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلَّا أَرْسَلْت إلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّهُ كَانَ يَقَعُ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ وَلَا يَظُنُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سِوَى الْجَمِيلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ ذَلِكَ عِنْدَ اشْتِبَاهِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ عَلَيْهِمْ وَيَتَقَدَّمُونَ إلَى الْقَاضِي لِطَلَبِ الْبَيَانِ لَا لِلْقَصْدِ إلَى التَّلْبِيسِ وَالْإِنْكَارِ؛ وَلِهَذَا كَانَ الْقَاضِي يُدْعَى مُفْتِيًا، وَفِيهِ دَلِيلُ جَوَازِ التَّحْكِيمِ فَقَدْ حَكَّمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَإِنَّمَا حَكَّمَاهُ لِفِقْهِهِ فَقَدْ كَانَ مِقْدَامًا مَعْرُوفًا فِيهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَخْتَلِفُ إلَيْهِ وَأَخَذَ بِرِكَابِهِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ. وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِفُقَهَائِنَا فَقَبَّلَ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَدَهُ. وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَصْنَعَ بِأَشْرَافِنَا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَكُونُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي خُصُومَةٍ حَكَّمَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْعَالِمَ فِي مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ وَلَا يَدْعُوهُ إلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ وَجَاهَتَهُ بِسَبَبِ الدِّينِ فَيَبْقَى ذَلِكَ لَهُ إذَا عَظَّمَ الدِّينَ، وَالذَّهَابُ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 16  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست