responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 49
الْإِمْضَاءَ فِي الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ يَكُونُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.

ثُمَّ الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْأَجَانِبِ، وَقَدْ تَكُونُ مِنْ الْقَرَابَاتِ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ؛ لِمَا فِيهِ مَنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاسِحِ». وَلِهَذَا بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ هِبَةً؛ فَقَبَضَهَا؛ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا. وَذُكِرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ فَقَبَضَهَا: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ: فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا - مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا -. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ: قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ يَفْتَرِضُ صِلَةَ الْقَرَابَةِ الْمُتَأَبِّدَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ دُونَ الْقَرَابَةِ الْمُتَحَرِّزَةِ عَنْ الْمَحْرَمِيَّةِ، وَهُوَ كَمَا يُتْلَى فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] أَيْ: اتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 23].
وَالْمُرَادُ: الرَّحِمُ الْمُتَأَبِّدُ بِالْمَحْرَمِيَّةِ. ثُمَّ إنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْقَبْضَ لِلْمَنْعِ عَنْ الرُّجُوعِ، وَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا أَنَّ الْوَالِدَ إذَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ هِبَةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا كَالْوَلَدِ إذَا وَهَبَ لِوَالِدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الرُّجُوعِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ - وَهُوَ صِلَةُ الرَّحِمِ - أَوْ لِمَا فِي الرُّجُوعِ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَالْوِلَادُ فِي ذَلِكَ أَقْوَى مِنْ الْقَرَابَةِ الْمُتَأَبِّدَةِ بِالْمَحْرَمِيَّةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ: مَنْ وَهَبَ لِأَجْنَبِيٍّ هِبَةً فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا - مَا لَمْ يُعَوَّضْ مِنْهَا - لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا لَمْ يُثَبْ، وَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ: الْعِوَضُ فَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إمَامُنَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْخَصْمِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «أَيْنَمَا دَارَ الْحَقُّ فَعُمَرُ مَعَهُ، وَإِنَّ مَلَكًا يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ». (وَعَنْ) عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: نَحَلَنِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْعَالِيَةِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا بُنَيَّةُ إنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ غِنًى أَنْتِ، وَأَعَزَّهُمْ عَلَيَّ فَقْرًا أَنْتِ، وَإِنِّي كُنْت نَحَلْتُك جُذَاذَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي بِالْعَالِيَةِ، وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي قَبَضْتِيهِ، وَلَا حُزْتِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالُ الْوَرَثَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاك، وَأُخْتَاك قَالَتْ: فَقُلْت: فَإِنَّمَا هِيَ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي أَسْمَاءَ - قَالَ: إنَّهُ أُلْقِيَ فِي نَفْسِي أَنَّ فِي بَطْنِ بِنْتِ خَارِجَةَ جَارِيَةً. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَحَلَهَا أَرْضًا لَهُ، وَفِي هَذَا دَلِيلُ أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَأَنَّهُ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ، وَالْوَلَدُ إذَا كَانَا بَالِغَيْنِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقِسْمَةِ - فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ -؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَبْطَلَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ،

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 12  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست