responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 119
لِمَا بَيَّنَّا أَنْ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ بِوُجُودِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ لَوْ كَانَتْ عَبْدًا، أَوْ أَمَةً، فَقَتَلَهُمَا الصَّبِيُّ، كَانَ ضَامِنًا بِهَذَا الطَّرِيقِ. فَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَلِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ الصَّبِيِّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتِحْفَاظُ مَنْ لَا يَحْفَظُ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يُودِعْهُ وَلَكِنَّهُ جَاءَ فَأَتْلَفَ مَالَهُ. وَاسْتِحْفَاظُ مَنْ لَا يَحْفَظُ: تَضْيِيعٌ لِلْمَالِ، فَكَأَنَّهُ أَلْقَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَأَتْلَفَهُ صَبِيٌّ كَانَ ضَامِنًا؟ فَكَذَا هَذَا. وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ مَا قَالَ فِي الْكِتَابِ: لِأَنَّهُ صَبِيٌّ، وَقَدْ سَلَّطَهُ رَبُّ الْمَالِ عَلَى مَالِهِ حِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِ.
(وَفِي) تَفْسِيرِ هَذَا التَّسْلِيطِ نَوْعَانِ مِنْ الْكَلَامِ (أَحَدُهُمَا): أَنَّهُ تَسْلِيطٌ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّ عَادَةَ الصِّبْيَانِ إتْلَافُ الْمَالِ؛ لِقِلَّةِ نَظَرِهِمْ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ، فَهُوَ لَمَّا مَكَّنَهُ مِنْ ذَلِكَ - مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ - يَصِيرُ كَالْإِذْنِ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ. وَبِقَوْلِهِ: احْفَظْ، لَا يُخْرِجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إذْنًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُ بِهَذَا مَنْ لَا يَحْفَظُ، فَهُوَ كَمُقَدِّمِ الشَّعِيرِ بَيْنَ يَدَيْ الْحِمَارِ، وَقَالَ: لَا تَأْكُلْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الصَّبِيَّانِ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّهُمْ يَهَابُونَ الْقَتْلَ، وَيَفِرُّونَ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ إيدَاعُهُ تَسَلُّطًا عَلَى الْقَتْلِ - بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِمْ -. وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ إتْلَافَ الدَّوَابِّ، رُكُوبًا، فَيَثْبُتُ التَّسْلِيطُ فِي الدَّابَّةِ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ، وَإِلَّا صَحَّ أَنْ تَقُولَ: مَعْنَى التَّسْلِيطِ: تَحْوِيلُ يَدِهِ فِي الْمَالِ إلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْمَالِكَ - بِاعْتِبَارِ يَدِهِ - كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ، فَإِذَا حَوَّلَ يَدَهُ إلَيْهِ، صَارَ مُمَكَّنًا لَهُ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ - بَالِغًا كَانَ الْمُودَعُ، أَوْ صَبِيًّا - إلَّا أَنَّهُ بِقَوْلِهِ: احْفَظْ، قَصَدَ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّحْوِيلُ مَقْصُورًا عَلَى الْحِفْظِ - دُونَ غَيْرِهِ - وَهَذَا صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْبَالِغِ، بَاطِلٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا الْتَزَمَ بِالْعَقْدِ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، فَيَبْقَى التَّسْلِيطُ عَلَى الِاسْتِهْلَاكِ بِتَحْوِيلِ الْيَدِ إلَيْهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ - بِاعْتِبَارِ يَدِهِ - مَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، فَتَحْوِيلُ الْيَدِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ تَسْلِيطًا عَلَى قَتْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ مِنْ الْمَالِكِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ، وَالْمَمْلُوكُ فِي حُكْمِ الدَّمِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ؛ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ الْإِيدَاعُ. وَالتَّسْلِيطُ يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اُقْتُلْ عَبْدِي؛ لِأَنَّ ذَاكَ اسْتِعْمَالٌ، وَالِاسْتِعْمَالُ وَرَاءَ التَّسْلِيطِ، فَإِنَّ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ إذَا لَحِقَهُ ضَمَانٌ، يَرْجِعُ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ، وَبَعْدَ التَّسْلِيطِ يَسْقُطُ حَقُّ الْمُسَلَّطِ فِي التَّضْمِينِ - لِرِضَاهُ بِهِ - وَلَا يَثْبُتُ لِأَحَدٍ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ. وَلِهَذَا قُلْنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: إنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْتَهْلِكَ، إذَا ضُمِنَ لِلْمُسْتَحَقِّ، لَا يُرْجَعُ عَلَى الْمُودَعِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَتْلِفْهُ، فَذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ لِلصَّبِيِّ، وَهَذَا تَسْلِيطٌ لَهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَبَحْتُ لَك أَنْ تَأْكُلَ هَذَا الطَّعَامَ، إنْ شِئْت، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَكَلَهُ الصَّبِيُّ، لَمْ يَضْمَنْ. وَلَوْ جَاءَ مُسْتَحَقٌّ وَضَمِنَهُ، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَهَذَا مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَقُولُ: قَوْلُهُ: احْفَظْهُ، بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا تَنَاوَلَهُ مُطْلَقُ التَّسْلِيمِ.

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 119
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست