responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 109
إلَى الْقَبُولِ - شَرْعًا -؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبِرِّ. قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». وَبَعْدَ الْقَبُولِ، عَلَيْهِ أَدَاءُ مَا الْتَزَمَ - وَهُوَ الْحِفْظُ - حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إلَى صَاحِبِهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]. وَقَدْ قِيلَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ: إنَّ الْمُرَادَ رَدُّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَتَاهُ بِهِ قَالَ: خُذْهُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَلَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ أَمَانَةٍ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ائْتَمَنَ أَمَانَةً فَلْيُؤَدِّهَا». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك». وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَامَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ.» عَلَى الْمُوَحِّدِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَمَّا هُوَ مِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَال نَفْسِهِ؛ فَيَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ، أَوْ صُنْدُوقِهِ؛ لِأَنَّهُ وَعَدَ لِصَاحِبِهَا ذَلِكَ، وَخَلْفُ الْوَعْدِ مَذْمُومٌ، وَإِذَا تَرَكَ الْحِفْظَ بَعْدَ غَيْبَةِ صَاحِبِهَا: فَفِيهِ تَرْكُ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ، وَالْغَرُورُ فِي حَقِّ صَاحِبِهَا، وَذَلِكَ حَرَامٌ.

فَإِنْ وَضَعَهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ صُنْدُوقِهِ، فَهَلَكَتْ: لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ أَوْدَعَ وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.» وَلِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ، وَلَا عَلَى الْمُودَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ.» فَالْمُرَادُ بِالْمُغِلِّ: الْخَائِنُ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا إغْلَالَ وَلَا إسْلَالَ فِي الْإِسْلَامِ». وَالْإِغْلَالُ: الْخِيَانَةُ، وَالْإِسْلَالُ: السَّرِقَةُ. وَقَدْ قِيلَ: الْمُغِلُّ الْمُنْتَفِعُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَرْضٌ مُغِلٌّ، أَيْ كَثِيرُ الرِّيعِ وَالْغَلَّةِ، فَعَلَى هَذَا: الْمُرَادُ: الْمُنْتَفِعُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ. وَقَالَ عُمَرُ: الْعَارِيَّةُ كَالْوَدِيعَةِ، لَا يَضْمَنُهَا صَاحِبُهَا إلَّا بِالتَّعَدِّي. وَقَالَ عَلِيٌّ: لَا ضَمَانَ عَلَى رَاعٍ، وَلَا عَلَى مُؤْتَمَنٍ. وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الْمُودَعَ مُتَبَرِّعٌ فِي حِفْظِهَا لِصَاحِبِهَا، وَالتَّبَرُّعُ لَا يُوجِبُ ضَمَانًا عَلَى الْمُتَبَرِّعِ لِلْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ، فَكَانَ هَلَاكُهَا فِي يَدِهِ كَهَلَاكِهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: يَدُ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ. وَيَسْتَوِي إنْ هَلَكَ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ بِمَعْنَى الْعَيْبِ فِي الْحِفْظِ، وَلَكِنَّ صِفَةَ السَّلَامَةِ عَنْ الْعَيْبِ إنَّمَا تَصِيرُ مُسْتَحَقًّا فِي الْمُعَاوَضَةِ - دُونَ التَّبَرُّعِ - وَالْمُودَعُ مُتَبَرِّعٌ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى بَعْضِ مَنْ فِي عِيَالِهِ - مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدَيْهِ أَوْ أَجِيرِهِ - فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ إذَا هَلَكَتْ - اسْتِحْسَانًا - وَفِي الْقِيَاسِ: هُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحْفَظَ - مَنْ اسْتَحْفَظَ - مِنْهُ، وَيُؤَيِّدُ وَجْهَ الْقِيَاسِ - قَوْله تَعَالَى - {: وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 5].

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 109
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست