responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 103
شَرِبَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَا نَزَلَ خِطَابُ التَّحْرِيمِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَاتَبًا بِذَلِكَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الْآيَةَ.
وَكَذَلِكَ أَهْلُ قُبَاءَ كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ فَرِيضَةُ التَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَجَازَ ذَلِكَ مِنْهُمْ كَأَنَّ الْخِطَابَ غَيْرُ نَازِلٍ حِينَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ، فَهَذَا مِثْلُهُ أَيْضًا وَأَمْرُ الْأَنْكِحَةِ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَوْسِعَةُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ بَلْ فِيهِ اسْتِدْرَاجٌ وَتَرْكٌ لَهُمْ عَلَى الْجَهْلِ، وَتَمْهِيدٌ بِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَالْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَتَحْقِيقٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ مَا قَالَ: أَنَّ اعْتِقَادَهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْمُتْلِفِ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ الضَّمَانَ بِاعْتِبَارِ اعْتِقَادِهِ، وَلَكِنْ يَبْقَى مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ وَالتَّقَوُّمُ.
ثُمَّ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ لَا يَكُونُ بِهِ الْمَحِلُّ مَالًا مُتَقَوِّمًا، وَلَكِنَّ شَرْطَ سُقُوطِ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ انْعِدَامُ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فِي الْمَحِلِّ، وَهَذَا الشَّرْطُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهِمْ مَعَ أَنَّا لَمَّا ضَمِنَّا بِعَقْدِ الذِّمَّةِ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فَقَدْ الْتَزَمْنَا حِفْظَهَا وَحِمَايَتَهَا لَهُمْ، وَالْعِصْمَةُ وَالْإِحْرَازُ تَتِمُّ بِهَذَا الْحِفْظِ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْإِتْلَافِ يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ هَذَا مِنْ ضَرُورَةِ مَا ضَمِنَّاهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّا مَا ضَمِنَّا لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، وَكَانَ نَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُمْ فِي إبْطَالِ عُقُودِ الرِّبَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَضْمَنْ لَهُمْ تَرْكَ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إلَّا مَنْ أَرْبَى فَلَيْسَ بَيْنَنَا، وَبَيْنَهُ عَهْدٌ» وَهَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ مِنْهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ، وَلَا دِيَانَةَ فَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ حُرْمَةُ الرِّبَا فِي اعْتِقَادِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي مَوْقُوذَةِ الْمَجُوسِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَضْمَنُهَا لَهُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي اعْتِقَادِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَقَدْ أُمِرْنَا أَنْ نَبْنِيَ أَحْكَامَ الْمَجُوسِ عَلَى أَحْكَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُنُّوا بِالْمَجُوسِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» الْحَدِيثَ، إلَّا أَنَّ هَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّا فِي حُكْمِ الْأَنْكِحَةِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْمَجُوسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَبْنِيَ ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَالْعُذْرُ عَنْ فَضْلِ الْمِيرَاثِ بِالزَّوْجِيَّةِ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ اسْتِحْقَاقُ الْمِيرَاثِ، وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَتْلَفَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا عَلَى شَفْعَوِيِّ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِلْزَامِ بِالْمُحَاجَّةِ، وَالدَّلِيلُ هُنَا ثَابِتٌ، وَقَدْ ثَبَتَ لَنَا بِالنَّصِّ أَنَّ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ حَرَامٌ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ اعْتِقَادُهُمْ فِي إيجَابِ الضَّمَانِ.

(وَلَوْ) غَصَبَ نَصْرَانِيٌّ مِنْ نَصْرَانِيٍّ خَمْرًا فَاسْتَهْلَكَهَا فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 11  صفحه : 103
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست