responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الاختيار لتعليل المختار نویسنده : ابن مودود الموصلي    جلد : 2  صفحه : 107
وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ، وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا،
ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى ذَلِكَ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَإِذَا لَمْ يَبُحْ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِكْرَاهِ لَا يُبَاحُ الْكُفْرُ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ جَرِيمَةً وَأَشَدُّ حُرْمَةً وَأَقْبَحُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِالسَّمْعِ وَحُرْمَةُ الْكُفْرِ بِهِ وَبِالْعَقْلِ.
(وَإِنْ أَكْرَهَهُ بِإِتْلَافِ نَفْسِهِ وَسِعَهُ أَنْ يَفْعَلَ) أَمَّا شُرْبُ الْخَمْرِ وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ فَلِمَا تَلَوْنَا مِنَ النَّصِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ صَارَتْ مُسْتَثْنَاةً مِنَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَتِ الْمَيْتَةُ وَالْخَمْرُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ كَالْخُبْزِ وَالْمَاءِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ وَهُوَ يَعْلَمُ بِالْإِبَاحَةِ أَثِمَ كَمَا فِي حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَمَّا زَالَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] صَارَ كَالْمُمْتَنِعِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ حَتَّى مَاتَ فَيَأْثَمُ. وَأَمَّا إِتْلَافُ مَالِ الْغَيْرِ فَكَذَلِكَ يُبَاحُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ فَزَالَ الْإِثْمُ، وَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ لِمَا مَرَّ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَوَعَّدُوهُ بِضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ مِنْهُ وَلَوْ أُنْمُلَةٍ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ كَمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لَا يُبَاحُ لَهُ قَطْعُ الْعُضْوِ، وَلَوْ خَوَّفُوهُ بِالْجُوعِ لَا يَفْعَلُ حَتَّى يَجُوعَ جُوعًا يَخَافُ مِنْهُ التَّلَفَ فَيَصِيرُ كَالْمُضْطَرِّ. وَأَمَّا الْكُفْرُ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَكْرَهَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْكُفْرِ، فَأَعْطَاهُمْ بِلِسَانِهِ مَا أَرَادُوا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ: " مَا وَرَاءَكَ " ; فَقَالَ: شَرٌّ، نِلْتُ مِنْكَ، فَقَالَ: " كَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ " قَالَ: مُطَمْئِنًا بِالْإِيمَانِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى لِلَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: " مَا لَكَ، إِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] وَفِيهِ دَلِيلُ الْكِتَابِ ; وَالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنْ عَادُوا فَعُدْ» وَالْأَثَرُ فِعْلُ عَمَّارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
(وَإِنْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا) وَهُوَ الْعَزِيمَةُ «فَإِنَّ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ، وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ، وَقَالَ: هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ» وَلِأَنَّهُ بَذَلَ مُهْجَتَهُ وَجَادَ بِرُوحِهِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَإِعْلَاءً لِكَلِمَتِهِ لِئَلَّا يَأْتِيَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَكَانَ شَهِيدًا كَمَنْ بَارَزَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ شَهِيدًا. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ سَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَتَرْكُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَكُلُّ مَا ثَبَتَتْ فَرَضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ ; وَلَوْ أُكْرِهَ الذِّمِّيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ صَحَّ إِسْلَامُهُ، كَمَا لَوْ قُوتِلَ الْحَرْبِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83] سَمَّى الْمُكْرَهَ عَلَى الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا، فَإِنْ رَجَعَ الذِّمِّيُّ لَا يُقْتَلُ لَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يُسْلِمَ لِأَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ فِي اعْتِقَادِهِ، فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَيُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ فَيَكُونُ ذِمِّيًا فَلَا يُقْبَلُ، إِلَّا أَنَّا رَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ حَالَةَ الْإِسْلَامِ تَصْحِيحًا لِإِسْلَامِهِ

نام کتاب : الاختيار لتعليل المختار نویسنده : ابن مودود الموصلي    جلد : 2  صفحه : 107
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست