نام کتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي نویسنده : الريسوني، أحمد جلد : 1 صفحه : 167
وهذا النوع الأخير، قد يصعب التسليم به، خاصة وأنه أورده بلا أمثله ولا أدلة. كما يصعب التفريق بينه وبين سابقيه، ففي كل منهما: "المداومة على بعض المباحات"، إلا أن نقول: إنها "أي تلك المباحات" تصير محرمة بالإدمان عليها والإفراط فيها. لأنها -حينئذ- تصير هوى متبعًا، وآفة مستحكمة، ومضيعة للعمر. وفي هذا من موجبات التحريم ما لا يخفى. ومن الأمثلة الجلية على هذا: احتراف بعض الناس -اليوم- لبعض أنواع اللعب، فيصير الإنسان، حرفته، "لاعب" وتصير حياته لعبًا في لعب! وقريب من هذا، ما يداوم عليه بعض الناس من قطع الساعات الطوال -من كل أيامهم أو معظمها- في المقاهي، وما أشبهها من توافه الأمور وسفاسفها.
وهذا التفريق الذي اعتمده الشاطبي بين الأفعال والتروك، بحسب الكلية والجزئية فيها، إنما هو نظر مصلحي مقاصدي. وقد استدل على صحة هذا التفريق بعدة أدلة، ولكن أهمها وجوهرها هو: "أن الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح باتفاق. وتقرر في هذه المسائل أن المصالح المعتبرة هي الكليات دون الجزئيات. إذ مجاري العادات كذلك جرت الأحكام فيها. ولولا أن الجزئيات أضعف شأنا في الاعتبار لما صح ذلك"[1].
وأنتقل إلى الجانب الآخر -الذي سبقت الإشارة إليه- من جوانب المباح، وهو الذي أخره حتى ختم به مسائل الأحكام التكليفية.
وهذا الجانب، هو المباح الذي يكون طلبه من قبيل الضروريات أو الحاجيات، وتعترض تحصيله عوارض مضادة لأصل الإباحة. أو بتعبير أوضح: إذا كان المكلف، في طريقه لتحصيل ما أحل الله له، أو أثناء تحصيله لذلك، يضطر للوقوع في بضع المحرمات، فهل تبقى تلك المبحات على أصل الإباحة بحيث يستمر المكلف في السعي إليها وتحصيلها رغم ما يقع فيه بسببها من آثام، أم أن هذه العوارض تؤثر في حكمها، فيصبح هو التحريم؟ [1] الموافقات: 1/ 139.
نام کتاب : نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي نویسنده : الريسوني، أحمد جلد : 1 صفحه : 167