الوجه الرابع: أن يقع لأجل سكوت المستدل عن مقدمة غير مشهورة مخافة منع الخصم لها لو صرح بها، كقول مشترط النية في الوضوء والغسل: كل ما هو قربة تشترط فيه النية كالصلاة، وسكت عن الصغرى وهي " الوضوء والغسل قربة " فيقول المعترض كالحنفي مثلاً نسلم أن كل ما هو قربة تشترط فيه النية، ولا يلزم من ذلك اشتراطها في الوضوء والغسل، فلو صرح المستدل بالصغرى لمنعها المعترض [1] ، وخرج عن القول بالموجب وبعضهم يقول في هذا المثال: " السكوت عن مقدمة مشهورة " وما تقدم أظهر لأن المشهورة كالمذكورة فكأنها غير مسكوت عنها لشهرتها، وهذا النوع من القول بالموجب إنما ورد على السكوت عنها، ووجه من قال السكوت عن مقدمة مشهورة لأن الشهرة هي التي تبيح الحذف لأن حذف غير المشهورة يؤدي إلى عدم فهم الكلام.
تنبيهان: -
الأول: منشأ الخلاف في اشتراط النية في الوضوء والغسل هو أهما وسيلة إلى صحة الصلاة فمن أعطى الوسيلة حكم ما يقصد بها جعلها قربة فأوجب النية فيهما وهذا هو الأظهر. ومن لم يعط الوسيلة حكم مقصدها لم يجعلها قربة فلم يوجب فيهما النية.
الثاني: قال بعض أهل الأصول: القول: بالموجب والقلب معارضة في الحكم لا قدح في العلة. وجعلهما الفخر الرازي من القوادح في العلة:
وأشار في المراقي إلى تعريف القول بالموجب وأقسامه فقال:
والقول بالموجب قدحه جلا ... وهو تسليم الدليل مسجلا
من مانع أن الدليل استلزما ... لما من الصور فيه اختصما [1] لأن أبا حنيفة رحمه الله يقول: الوضوء والغسل طهارة معقولة المعنى وليست قربة..