responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 215
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي يَدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَحِيفَةً فَقَالَ مَا هِيَ فَقَالَ التَّوْرَاةُ فَقَالَ أَتُهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا لَمَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي» فَصَارَ الْأَصْلُ الْمُوَافَقَةَ وَالْأُلْفَة لَكِنْ بِالشَّرْطِ الَّذِي قُلْنَا وَمَعْرُوفٌ لَا يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَمَلُ بِمَا وَجَدَهُ صَحِيحًا فِيمَا سَلَفَ مِنْ الْكُتُبِ غَيْرَ مُحَرَّفٍ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ وَحْيٌ بِخِلَافِهِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا بِأَنَّهَا يَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهَا شَرِيعَتُنَا مُطْلَقًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَصْلًا فِي الشَّرَائِعِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ أَخْذَ الْمِيثَاقِ عَلَى النَّبِيِّينَ بِالتَّصْدِيقِ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ} [آل عمران: 81] مِنْ أَبْيَنِ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ أُمَّةِ مَنْ بُعِثَ آخِرًا فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ وَلِهَذَا ظَهَرَ شَرَفُ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ فَكَانَ الْكُلُّ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ تَأَخَّرَ فِي حُكْمِ الْمُتَّبِعِ لَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَلْبِ يُطِيعُهُ الرَّأْسُ وَيَتْبَعُهُ الرِّجْلُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَبَّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ سَلَفَ؛ لِأَنَّ فِيهِ جَعْلَ الرَّسُولِ كَوَاحِدٍ مِنْ أُمَّةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَهَذَا غَضٌّ مِنْ دَرَجَتِهِ وَحَطٌّ مِنْ رُتْبَتِهِ وَاعْتِقَادٌ أَنَّهُ تَبَعٌ لِكُلِّ نَبِيٍّ تَقَدَّمَهُ وَلَا يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ بَلْ فِيهِ التَّنْفِيرُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ تَابِعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَتْبُوعًا وَمَدْعُوًّا بَعْدَ أَنْ كَانَ دَاعِيًا، فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَانُوا قَبْلَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ أَصْلًا فِي شَرَائِعِ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُ قُلْنَا: لَا يَمْنَعُ تَقَدُّمُهُمْ فِي الزَّمَانِ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ السُّنَّةَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَهِيَ تَابِعَةٌ لَهُ وَلَا يَمْنَعُ عَنْ كَوْنِهِ أَصْلًا فَالْأَنْبِيَاءُ مَعَ تَقَدُّمِهِمْ مُؤَسَّسُونَ بِقَاعِدَتِهِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ فِطْرَةِ الْخَلْقِ إدْرَاكُهُمْ سَعَادَةَ الْقُرْبِ مِنْ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْرِيفِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - فَكَانَتْ النُّبُوَّةُ مَقْصُودَةً بِالْإِيجَابِ وَالْمَقْصُودُ كَمَالُهَا لَا أَوَّلُهَا، وَإِنَّمَا يَكْمُلُ بِحَسَبِ سُنَّةِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ بِالتَّدْرِيجِ فَتَمَهَّدَ أَصْلُ النُّبُوَّةِ بِآدَمَ وَلَمْ يَزَلْ تَنْمُو وَتَكْمُلُ حَتَّى بَلَغَتْ الْكَمَالَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ تَمْهِيدُ أَوَائِلِهَا وَسِيلَةً إلَى الْكَمَالِ كَتَأْسِيسِ الْبِنَاءِ، وَتَمْهِيدُ أُصُولِ الْحِيطَانِ وَسِيلَةً إلَى كَمَالِ صُورَةِ الدَّارِ الَّتِي هِيَ غَرَضُ الْمُهَنْدِسِينَ وَلِهَذَا كَانَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْكَمَالِ نُقْصَانٌ فَثَبَتَ أَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ فِي النُّبُوَّةِ وَالشَّرِيعَةِ، وَغَيْرُهُ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ لَهُ وَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ عَامَّةً لِكَافَّةِ النَّاسِ عَلَى مَا قَالَ بِهِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] وَغَرَضُ الشَّيْخِ مِنْ هَذَا أَنَّهُ مَبْعُوثٌ إلَى جَمِيعِ النَّاسِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ اتِّبَاعُ شَرِيعَتِهِ فَكَانَ الْكُلُّ تَابِعًا لَهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ يَنْزِلُ إلَى الدُّنْيَا يَدْعُو النَّاسَ إلَى شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا إلَى شَرِيعَةِ نَفْسِهِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ الْمَشْهُورَةُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَاتِلُ الدَّجَّالَ وَالْقِتَالُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَتِهِ فَثَبَتَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَصْلًا فِي الشَّرَائِعِ ثُمَّ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَكَانَ وَارِثًا لِمَا مَضَى مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ مُسْتَدِلًّا بِإِشَارَةِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] أَشَارَ إلَى أَنَّ شَرَائِعَ مَنْ قَبْلَنَا إنَّمَا تَلْزَمُنَا عَلَى أَنَّهَا شَرِيعَةٌ لِنَبِيِّنَا لَا أَنَّهَا بَقِيَتْ شَرَائِعَ لَهُمْ، فَإِنَّ الْمِيرَاثَ يَنْتَقِلُ مِنْ الْمُوَرِّثِ إلَى الْوَارِثِ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْوَارِثِ وَمُضَافًا إلَيْهِ لَا أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُوَرِّثِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَمَحَاسِنُ الشَّرِيعَةِ مِثْلُ إيجَابِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَإِيجَابِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَمْرِ بِالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَنَحْوِهَا وَمَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ مِثْلُ الْعَفْوِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الْمُسِيءِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى مَا تَضَمَّنَ بَيَانَهُمَا كِتَابُ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَكِتَابُ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.
وَقِيلَ: مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ فِي ثَلَاثَةٍ: إعْطَاءُ مَنْ يَحْرِمُهُ وَوَصْلُ مَنْ يَقْطَعُهُ وَالْعَفْوُ عَمَّنْ اعْتَدَى عَلَيْهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ حَكِيمُ الْعَجَمِ مَوْدُودُ بْنُ آدَمَ النَّسَائِيّ إنَّك سَمَّيْت

نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 3  صفحه : 215
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست