responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 96
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وَكُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءٌ وَكَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَصْدٌ فِي اللُّغَةِ فَصَارَ اسْمًا لِعِبَادَةٍ مَعْلُومَةٍ مَجَازًا لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْعَزِيمَةِ وَالْقَصْدِ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا مِنْ الْعُمْرَةِ وَالزَّكَاةِ حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا دَلَالَةً عَلَى تَرْكِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَوْضُوعٌ لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ وَحَاجَتِهِمْ فَيَصِيرُ الْمَجَازُ بِاسْتِعْمَالِهِمْ كَالْحَقِيقَةِ وَمِثَالُهُ مَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَوْ حَجًّا
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرُبْت مُرْتَجِلًا ... يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا
عَلَيْكِ مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضِي عَيْنًا ... فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعًا
أَيْ دَعَوْتِ يُرِيدُ قَوْلَهَا يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ، وَقَالَ أَيْضًا:
وَصَهْبَاءُ طَافَ يَهُودِيًّا ... وَأَبْرَزَهَا وَعَلَيْهَا خَتَمٌ
وَأَقْبَلَهَا الرِّيحُ فِي دَنِّهَا ... وَصَلَّى عَلَى دَنِّهَا وَارْتَسَمْ
أَيْ اسْتَقْبَلَ بِالْخَمْرِ الرِّيحَ وَدَعَا، وَارْتَسَمَ مِنْ الرَّوْسَمِ وَهُوَ الْخَاتَمُ يَعْنِي خَتَمَهَا، ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الْأَرْكَانِ الْمَعْلُومَةِ لِمَا ذَكَرَ قَوْلُهُ قَالَ تَعَالَى {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] إمَّا مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ. أَوْ مِنْ قَبِيلِ إضَافَتِهِ إلَى الْفَاعِلِ أَيْ أَقِمْهَا لَأَنْ أَذْكُرَك بِالْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ كَمَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] أَيْ ذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ إيَّاهُ. أَوْ أَقِمْهَا لِأَنِّي ذَكَرْتهَا فِي كُلِّ كِتَابٍ وَلَمْ أُخْلِ مِنْهَا شَرِيعَةً وَإِيرَادُهُ هَهُنَا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَكُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءٌ) فَإِنَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى يُقَالُ دَعَاهُ.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اشْتِغَالَ الْعَبْدِ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ بِذِكْرِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ وَثَنَائِهِ تَعَرُّضٌ مِنْهُ لِطَلَبِ حَاجَتِهِ مِنْهُ فَيَكُونُ كُلُّ ذِكْرٍ دُعَاءً أَوْ الدُّعَاءُ ذِكْرُ الْمَدْعُوِّ لِطَلَبِ أَمْرٍ مِنْهُ.
وَقِيلَ لِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ مَا حَدِيثٌ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. «أَفْضَلُ دُعَاءٍ أُعْطِيته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» قَالَ مَا تُنْكِرُ مِنْ ذَا ثُمَّ حَدَّثَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ تَشَاغَلَ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعْطَاهُ اللَّهُ فَوْقَ رَغْبَةِ السَّائِلِينَ» . ثُمَّ قَالَ هَذَا أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ يَقُولُ لِابْنِ جُدْعَانَ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي ... حَيَاؤُك إنَّ شِيمَتَك الْحَيَاءُ
وَعِلْمُك بِالْحُقُوقِ وَأَنْتَ قَرْمُ ... لَك الْحَسَبُ الْمُهَذَّبُ وَالسَّنَاءُ
إذَا أَثْنَى عَلَيْك الْمَرْءُ يَوْمًا ... كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ
فَهَذَا مَخْلُوقٌ يَقُولُ فِي مَخْلُوقٍ فَمَا ظَنُّك بِرَبِّ الْعَالَمِينَ كَذَا فِي رَبِيعِ الْأَبْرَارِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَكَالْحَجِّ فَإِنَّهُ قَصْدٌ فِي اللُّغَةِ) الْحَجُّ الْقَصْدُ وَمِنْهُ الْمَحَجَّةُ لِلطَّرِيقِ وَالْحُجَّةُ لِأَنَّهَا تُقْصَدُ وَتُعْتَمَدُ أَوْ بِهَا يُقْصَدُ الْحَقُّ الْمَطْلُوبُ قَالَ الْمُخَبَّلُ السَّعْدِيُّ:
وَاشْهَدْ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجُّونَ سِبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
أَيْ يَقْصِدُونَهُ وَيَخْتَلِفُونَ إلَيْهِ. وَالسِّبُّ الْعِمَامَةُ وَالزِّبْرِقَانُ لَقَبُ حُصَيْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْقَمَرُ ثُمَّ تُعُورِفَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْقَصْدِ إلَى مَكَّةَ لِلنُّسُكِ الْمَعْرُوفِ.
وَكَذَلِكَ نَظَائِرُهَا مِنْ الْعُمْرَةِ. الْعُمْرَةُ اسْمٌ مِنْ الِاعْتِمَارِ كَالْعِبْرَةِ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَأَصْلُهَا الزِّيَارَةُ يُقَالُ اعْتَمَرَ أَيْ زَارَ. وَفِي الْمُغْرِبِ أَصْلُهَا الْقَصْدُ إلَى مَكَان عَامِرٍ ثُمَّ غَلَبَتْ عَلَى هَذِهِ الْعِبَادَةِ الْمَعْلُومَةِ وَهِيَ الْإِحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَالزَّكَاةُ هَذَا التَّرْكِيبُ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ قَالَ تَعَالَى {وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] . قِيلَ وَتُطَهِّرُهُمْ وَيُقَالُ فُلَانٌ زَكَّى نَفْسَهُ أَيْ مَدَحَهَا وَطَهَّرَهَا عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ، وَعَلَى الزِّيَادَةِ وَالنَّمَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو زَكَاةً أَيْ نَمَا ثُمَّ سُمِّيَ بِهَا الْقَدْرُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ سَبَبٌ لِنَمَاءِ الْمَالِ وَالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ فِيهِ وَلِطَهَارَةِ مُؤَدِّيهِ عَنْ الْآثَامِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ بِحَيْثُ صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً. حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مَهْجُورَةً فَإِنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ أَوْ يُزَكِّيَ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ إلَّا الْعِبَادَاتُ الْمَعْهُودَةُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِمُبَاشَرَةِ حَقَائِقِهَا اللُّغَوِيَّةِ. وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا أَيْ اسْتِعْمَالُ

نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 96
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست