responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 324
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالسَّفَرِ أَنَّهُ رُخِّصَ إسْقَاطًا حَتَّى لَا يَصِحَّ أَدَاؤُهُ مِنْ الْمُسَافِرِ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا إسْقَاطًا اسْتِدْلَالًا بِدَلِيلِ الرُّخْصَةِ وَمَعْنَاهَا أَمَّا الدَّلِيلُ فَمَا رُوِيَ «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ \انقصر وَنَحْنُ آمِنُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» سَمَّاهُ صَدَقَةً وَالتَّصَدُّقُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ مَنْ لَا يَلْزَمُ طَاعَتُهُ كَوَلِيِّ الْقِصَاصِ إذَا عَفَا فَمَنْ تَلْزَمُ طَاعَتُهُ أَوْلَى، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْيُسْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ {فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] أَيْ غَفُورٌ لِمَنْ تَابَ مِنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَاسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ. رَحِيمٌ بِشَرْعِ التَّوْبَةِ. وَقِيلَ غَفُورٌ لِلذُّنُوبِ الْكِبَارِ فَكَيْفَ يُؤَاخِذُ بِتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ. رَحِيمٌ بِعِبَادِهِ فِيمَا يَتَعَبَّدُهُمْ بِهِ.
وَقِيلَ غَفُورٌ بِالْعَفْوِ عَمَّنْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. رَحِيمٌ بِرَفْعِ الْإِثْمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَفِي عَيْنِ الْمَعَانِي فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ بِإِزَاحَةِ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الْمَضَرَّةِ رَحِيمٌ بِإِبَاحَةِ الْمَحْظُورِ لِلْمَعْذُورِ قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ، وَمِنْ وَقْتِ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مَا قُلْنَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالسَّفَرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقَصْرُ رُخْصَةٌ حَقِيقَةٌ وَالْعَزِيمَةُ هِيَ الْأَرْبَعُ حَتَّى لَوْ فَاتَ الْوَقْتُ يَقْضِي أَرْبَعًا سَوَاءٌ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ. وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] . شُرِعَ بِلَفْظِ لَا جُنَاحَ، وَأَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ دُونَ الْإِيجَابِ.
وَبِأَنَّ الْوَقْتَ سَبَبُ الْأَرْبَعِ وَالسَّفَرُ سَبَبٌ لِلْقَصْرِ لَا عَلَى رَفْعِ الْأَوَّلِ وَتَغْيِيرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ صَحَّ وَيَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُ، وَلَوْ ارْتَفَعَ لِمَا لَزِمَهُ كَمُصَلِّي الْفَجْرِ إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ فَيَعْمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ إلَّا أَنَّ الْقَصْرَ سَبَبٌ عَارِضٌ فَمَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْأَصْلِ، وَهَذَا كَالْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ بِالْجُمُعَةِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ أَنْ يُؤَدِّيَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَكَذَا الْمُسَافِرُ يَمِيلُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.
وَكَذَا الْمُسَافِرُ فِي حَقِّ الصَّوْمِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَّرَ، وَإِنْ شَاءَ عَجَّلَ، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ أَصْلُ الْفَرْضِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْتِ إلَّا أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالتَّرْكِ وَالتَّأْخِيرِ. وَعِنْدَنَا الْقَصْرُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ أَيْ الْقَصْرُ لَيْسَ بِرُخْصَةٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ إسْقَاطٌ لِلْعَزِيمَةِ، وَهِيَ الْأَرْبَعُ.
حَتَّى لَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ مِنْ الْمُسَافِرِ أَيْ أَدَاءُ مَا سَقَطَ عَنْهُ كَمَا لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّهِ لَمْ يَبْقَ مُوجِبًا إلَّا رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ الْأُخْرَيَانِ نَفْلًا لِمَا بَيَّنَّا وَخَلْطُ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ قَصْدًا لَا يَحِلُّ، وَأَدَاءُ النَّفْلِ قَبْلَ إكْمَالِ الْفَرْضِ مُفْسِدٌ لِلْفَرْضِ فَإِذَا صَلَّى أَرْبَعًا، وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهَا أَيْ هَذِهِ الرُّخْصَةَ إسْقَاطًا لِلْعَزِيمَةِ اسْتِدْلَالًا بِدَلِيلِ الرُّخْصَةِ أَيْ بِدَلِيلٍ يُثْبِتُ الرُّخْصَةَ وَاسْتِدْلَالًا بِمَعْنَى هَذِهِ الرُّخْصَةِ. أَمَّا الدَّلِيلُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَالِبِيِّ قَالَ سَأَلْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا بَالُنَا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَلَا نَخَافُ شَيْئًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] فَقَالَ أَشْكَلَ عَلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْك فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّهَا صَدَقَةٌ. وَالضَّمِيرُ أَوْ اسْمُ الْإِشَارَةِ رَاجِعٌ إلَى الصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ أَوْ إلَى الْقَصْرِ، وَالتَّأْنِيثُ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} [الزمر: 49] . أَوْ لِتَأْوِيلِهِ بِالرُّخْصَةِ أَيْ هَذِهِ الرُّخْصَةُ صَدَقَةٌ.
فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَخْبَرَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ الْقَصْرَ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ لَا تَثْبُتُ، وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمُتَصَدِّقِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فَاقْبَلُوا فَقَبْلَ الْقَبُولِ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ.
فَالشَّيْخُ أَدْرَجَ فِي تَقْرِيرِهِ رَدَّ هَذَا الْكَلَامِ وَقَالَ سَمَّاهُ أَيْ الْقَصْرُ صَدَقَةٌ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ لَا يَحْتَمِلُ الرَّدَّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْعَبْدِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ فَاعْمَلُوا بِهَا وَاعْتَقَدُوهَا كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ قَبِلَ الشَّرَائِعَ

نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست