responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 263
وَعَلَى هَذَا قُلْنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] : إنَّ قَوْلَهُ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] جَزَاءٌ وَقَوْلَهُ لَا تَقْبَلُوا وَإِنْ كَانَ تَامًّا وَلَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصْلُحُ جَزَاءً وَاحِدًا مُفْتَقِرًا إلَى الشَّرْطِ فَجُعِلَ مُلْحَقًا بِالْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ جُرْحَ الشَّهَادَةِ إيلَامٌ كَالضَّرْبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْقَذْفِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُتَمَيِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.
وَرُبَّمَا يَكُونُ حِسْبَةً مِنْ الْقَاذِفِ إذْ عَلِمَ إصْرَارَهُ وَوَجَدَ أَرْبَعَةً مِنْ الشُّهُودِ فَإِذَا عَجَزَ لَمْ يَكُنْ قَذْفُهُ حِسْبَةً وَإِقَامَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ بَلْ كَانَ هَتْكًا لِلسِّتْرِ لَا غَيْرَ وَأَنَّهُ حَرَامٌ شَرْعًا فَصَارَ سَبَبًا لِلْحَدِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّا نَسْمَعُ بَيِّنَةَ الْقَاذِفِ عَلَى إثْبَاتِ مَا قَذَفَ وَلَوْ كَانَ قَذْفُهُ كَبِيرَةً بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا وَلَا مَعْمُولًا بِحُكْمِهِ بِالْبَيِّنَةِ فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كَبِيرَةً بِالْعَجْزِ فَإِذَا عَجَزَ وَصَارَ الْقَذْفُ حِينَئِذٍ فِسْقًا لَزِمَ الْقَاضِي إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِظُهُورِ فِسْقِهِ وَلَكِنَّهَا بَعْدَ الْقَذْفِ فِي مُدَّةِ الْمُهْلَةِ مَقْبُولَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْسُقْ بَعْدُ وَإِذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يُقْبَلُ بَعْدُ وَإِنْ تَابَ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ وَأَصْلَ الْحَدِّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فَمَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ لَا يَسْقُطُ أَيْضًا وَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَمَسَّكُوا فِي إثْبَاتِ مَذْهَبِهِمْ بِظَاهِرِ الْآيَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَقَوْلُهُ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] جَزَاءٌ لَهُ وَلِهَذَا دَخَلَ فِيهِ الْفَاءُ أَيْ مَنْ رَمَى مُحْصَنَةً فَاجْلِدُوهُ وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْأُولَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ كَلَامٍ تَامٍّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدًا بِنَفْسِهِ وَالْوَاوُ لِلنَّظْمِ فَلَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ وَقَوْلَهُ عَزَّ اسْمُهُ {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] جُمْلَةٌ تَامَّةٌ أَيْضًا وَلَكِنَّهَا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ لِلْجُمْلَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا أَيْ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا لِأَنَّهُمْ فَاسِقُونَ بِذَلِكَ الرَّمْيِ فَكَانَتْ مُتَّصِلَةً بِمَا تَقَدَّمَهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ اللَّاحِقِ بِهَا يَكُونُ مُنْصَرِفًا إلَيْهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا الَّذِينَ تَابُوا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِفَاسِقِينَ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَاقْبَلُوا شَهَادَتَهُمْ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ الْجَمْلِ الْمَعْطُوفَةِ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْكُلِّ عَلَى مَا عُرِفَ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ الْكُلَّ بِالتَّوْبَةِ رَدَّ الشَّهَادَةِ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَالْجَلْدَ لِزَوَالِ الْقَذْفِ بِإِكْذَابِ النَّفْسِ إلَّا أَنَّ الْجَلْدَ حَقُّ الْمَقْذُوفِ فَتَوْبَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَعْفِيَهُ فَلَا جُرْمَ إذَا اسْتَعْفَاهُ فَعَفَا عَنْهُ سَقَطَ الْحَدُّ أَيْضًا.
وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - قَالُوا: إنَّ قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى الشَّرْطِ كَمَا قَالَ: وَلَكِنَّ نَفْسَ الرَّمْيِ لَا يَصْلُحُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالْجِنَايَةِ وَلَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ الْجِنَايَةِ إلَّا بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِالشُّهُودِ فَعَطَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا لِتَرَجُّحِ جَانِبِهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَى الشَّرْطِ فَكَانَ الْكُلُّ شَرْطًا لِلْجَزَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ قَالَ لِنِسَائِهِ الَّتِي تَدْخُلُ مِنْكُنَّ: الدَّارَ ثُمَّ تُكَلِّمُ زَيْدًا فَهِيَ طَالِقٌ كَانَ دُخُولُ الدَّارِ مَعَ كَلَامِ زَيْدٍ شَرْطًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ.
وَإِنَّمَا عَطَفَ بِكَلِمَةِ ثُمَّ لِأَنَّ إقَامَةَ الشُّهُودِ تَتَرَاخَى عَنْ الْقَذْفِ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَلَا تُقَامُ عَقِيبَ الرَّمْيِ مُتَّصِلًا بِهِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ بِقَوْلِهِ {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4] فَتَعَلَّقَ الْجَلْدُ بِهِ وَصَارَ مِنْ حُكْمِهِ مِثْلَهُ فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} [النور: 2] ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4] فَشَارَكَهُ فِي كَوْنِهِ جَزَاءً وَاحِدًا لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَامًّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَصْمُ

نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست