responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 215
فَمَنْ جَعَلَ التَّمْلِيكَ أَصْلًا كَانَ تَارِكًا حَقِيقَةَ الْكَلَامِ وَمَعْنَى إلْحَاقُ التَّمْلِيكِ بِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ النَّاسِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ جُزْءٌ مِنْ التَّمْلِيكِ فِي التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ حَوَائِجَ الْمَسَاكِينِ كَثِيرَةٌ يَصْلُحُ الطَّعَامُ لِقَضَاءِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا، إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ سَبَبٌ لِقَضَائِهَا فَأُقِيمَ الْمِلْكُ مَقَامَهَا فَصَارَ التَّمْلِيكُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهَا كُلِّهَا بِاعْتِبَارِ الْخِلَافَةِ عَنْهَا، وَمِنْ هَذِهِ الْحَوَائِجِ الْأَكْلُ فَصَارَ النَّصُّ وَاقِعًا عَلَى الَّذِي هُوَ جُزْءٌ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَلَيْهِ لَا يَتَأَدَّى، إلَّا بِالتَّمْلِيكِ وَهُوَ مَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
فَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ الْإِطْعَامُ يُذْكَرُ لِلتَّمْلِيكِ عُرْفًا فَإِنَّ مَنْ قَالَ لِآخَرَ أَطْعَمْتُك هَذَا الطَّعَامَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَهَبْته لَك حَتَّى إذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ صَارَ مِلْكًا لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إبَاحَةً إذَا قَالَ أَطْعَمْتُك هَذَا الْأَرْضَ لِأَنَّ عَيْنَهَا لَا تُطْعَمُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَنَافِعِهَا الَّتِي تُطْعَمُ مَعْنًى بِالزِّرَاعَةِ مَجَازًا.
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمِسْكِينِ وَإِغْنَاؤُهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّمْلِيكِ دُونَ التَّمْكِينِ فَلَا يَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِهِ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْكِسْوَةِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَنْوَاعِ التَّكْفِيرِ لَا تَتَأَدَّى بِالتَّمْكِينِ وَالْإِبَاحَةِ حَتَّى لَوْ أَعَارَ الْمَسَاكِينَ ثِيَابًا بِنِيَّةِ الْكَفَّارَةِ فَلَبِسُوا لَا يَجُوزُ فَكَذَا الطَّعَامُ.
وَعُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَقَالُوا: إنَّهَا تُشِيرُ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْعَامِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لِلتَّمْكِينِ لَا لِلتَّمْلِيكِ فَإِنَّ الْإِطْعَامَ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ أَيْ إلَى مَفْعُولَيْنِ مُطَاوِعُهُ أَيْ لَازِمُهُ طَعِمَ يَطْعَمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ اللَّازِمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي بَابِ مُوجِبِ الْأَمْرِ وَالطُّعْمِ الْأَكْلُ فَبِإِدْخَالِ الْهَمْزَةِ فِيهِ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا إلَى مَفْعُولٍ آخَرَ وَلَكِنَّهُ لَا يَصِيرُ شَيْئًا آخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْلَاسِ مِنْ الْجُلُوسِ وَالْإِدْخَالِ مِنْ الدُّخُولِ فَكَانَ مَعْنَى الْإِطْعَامِ جَعْلَ الْغَيْرِ طَاعِمًا أَيْ آكِلًا؛ فَعَرَفْنَا أَنَّ صِحَّةَ التَّكْفِيرِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ يَصِيرُ هُوَ بِهِ مَطْعَمًا وَيَصِيرُ الْغَيْرُ بِهِ طَاعِمًا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْإِبَاحَةِ وَالتَّسْلِيطِ عَلَى الطَّعَامِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ لِيَتِمَّ فِعْلُهُ إطْعَامًا وَيَحْصُلُ بِهِ إتْلَافُ الطَّعَامِ عَيْنِهِ وَيَتِمُّ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ. وَأَنَّ التَّمْلِيكَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْكِتَابِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الطَّعَامَ إلَى غَيْرِهِ وَاسْتَوْفَى الْغَيْرُ مِنْهُ صَحَّ أَنْ يُقَالَ أَطْعِمْهُ وَلَا يُشْتَرَطُ الزِّيَادَةُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] . وَالْمُتَعَارَفُ مِنْ إطْعَامِ الْأَهْلِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ دُونَ التَّمْلِيكِ. وَأَنَّهُ حَلَّ ذِكْرُهُ أَضَافَ الْإِطْعَامَ إلَى الْمَسَاكِينِ وَالْمَسْكَنَةُ هِيَ الْحَاجَةُ وَحَاجَةُ الْمِسْكِينِ إلَى الطَّعَامِ فِي أَكْلِهِ دُونَ تَمَلُّكِهِ فَكَانَ إضَافَةُ الْإِطْعَامِ إلَى الْمَسَاكِينِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يَصِيرُ الْمِسْكِينُ بِهِ طَاعِمًا دُونَ التَّمْلِيكِ وَكَذَا التَّمْلِيكُ أَقْرَبُ إلَى دَفْعِ الْجُوعِ وَسَدِّ الْمَسْكَنَةِ مِنْ تَمْلِيكِ حِنْطَةٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا، إلَّا بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ وَتَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ التَّمْلِيكُ كَمَا ذَهَبَ حَمْدَانُ بْنُ سَهْلٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ الْأَصْبَهَانِيُّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِطْعَامَ لَازَمَهُ الطُّعْمُ وَهُوَ الْأَكْلُ دُونَ الْمِلْكِ وَفِي التَّمْلِيكِ لَا يُوجَدُ حَقِيقَةُ الْإِطْعَامِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يُطْعِمَهُ الْمِسْكِينُ وَإِنَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي التَّمْكِينِ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ، إلَّا بِأَنْ يُطْعِمَ الْمِسْكِينَ وَالْكَلَامُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ.
إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا التَّمْلِيكَ لِمَا قُلْنَا: إنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمِسْكِينِ وَالْإِطْعَامُ قَضَاءُ حَاجَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَاجَةُ الْأَكْلِ وَلَهُ حَوَائِجُ كَثِيرَةٌ وَالْمِلْكُ سَبَبٌ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَهِيَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَأُقِيمَ الْمِلْكُ مَقَامَ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ فَكَانَ التَّمْلِيكُ بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ كُلِّهَا تَقْدِيرًا.
أَلَا تَرَى أَنَّ التَّمْلِيكَ إلَى الْفَقِيرِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ قَامَ مَقَامَ دَفْعِ حَوَائِجِهِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ دَفْعِ الْقِيَمِ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ بِمَنْزِلَةِ الْجُزْءِ مِنْ التَّمْلِيكِ فَكَانَ الْجَوَازُ فِيهِ ثَابِتًا بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: التَّمْلِيكُ سَبَبٌ لِقَضَاءِ الْحَوَائِجِ جُمْلَةً أَمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ. فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَمْلِيكَ مَنَوَيْنِ مِنْ الْبُرِّ سَبَبٌ لِقَضَاءِ جَمِيعِ الْحَوَائِجِ.
وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِبَاحَةَ جُزْءٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى حَاجَةٍ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ إلَى غَيْرِهَا فَكَيْفَ يَكُونُ شَامِلًا لِدَفْعِ حَاجَةِ الْأَكْلِ.
وَذُكِرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّ التَّمْلِيكَ إنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى التَّطَعُّمِ وَالْأَكْلِ

نام کتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي نویسنده : البخاري، علاء الدين    جلد : 2  صفحه : 215
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست