نام کتاب : علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع - ط المدني نویسنده : عبد الوهاب خلاف جلد : 1 صفحه : 62
ومن المتفق عليه بين جمهور علماء المسلمين أن الله سبحانه ما شرع حكما إلا لمصلحة عباده، وأن هذه المصلحة إما جلب نفع لهم وإما دفع ضرر عنهم، فالباعث على تشريع أي حكم شرعي هو جلب منفعة للناس ودفع ضرر عنهم، وهذا الباعث على تشريع الحكم هو الغاية المقصودة من تشريعه وهو حكمة الحكم، فإباحة الفطر للمريض في رمضان حكمته دفع المشقة عن الريض، واستحقاق الشفعة للشريك أو الجار حكمته دفع الضرر عنه، وإيجاب القصاص من القاتل عمدا وعدوانا حكمته حفظ حياة الناس، وإيجاب قطع يد السارق حكمته حفظ أموال الناس، وإباحة المعاوضات حكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، فحكمة كل حكم شرعي تحقيق مصلحة أو دفع مفسدة.
وكان المتبادر أن يبنى كل حكم على حكمته، وأن يرتبط وجوده بوجودها وعدمه بعدمها؛ لأنها هي الباعث على تشريعه والغاية المقصودة منه، ولكن رثى بالاستقراء أن الحكمة في تشريع بعض الأحكام قد تكون أمرا خفيا غير ظاهر، أي لا يدرك بحاسة من الحواس الظاهرة، فلا يمكن التحقق من وجوده ولا من عدم وجوده، ولا يمكن بناء الحكم عليه ولا ربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه، مثل إباحة المعاوضات التي حكمتها دفع الحرج عن الناس بسد حاجاتهم، فالحاجة أمر خفي، ولا يمكن معرفة أن المعاوضة لحاجة أو لغير حاجة، ومثل ثبوت النسب بالزوجية الذي حكمته هو الاتصال الجنسي المفضي إلى حمل الزوجة من زوجها، وهذا أمر خفي لا يمكن الوقوف عليه، وقد تكون الحكمة أمرًا تقديريا أي أمرا غير منضبط فلا ينضبط بناء الحكم عليه، ولا ربطه به وجودا وعدما، مثال هذا: إباحة الفطر في رمضان للمريض، حكمتها دفع المشقة، وهذا أمر تقديري يختلف باختلاف الناس وأحوالهم، فلو بنى الحكم عليه لا ينضبط التكليف ولا يستقيم، وكذلك استحقاق الشفعة للشريك أو الجار حكمته دفع الضرر وهو أمر تقديري غير منضبط، فلأجل خفاء حكمة التشريع في بعض الأحكام، وعدم انضباطها في بعضها، لزم أمر آخر يكون ظاهرًا أو منضبطا يبنى عليه الحكم ويربط وجوده بوجوده وعدمه بعدمه ويكون مناسبًا لحكمته، بمعنى أنه مظنة لها وأن بناء الحكم عليه من شأنه أن يحققها؛ وهذا الأمر الظاهر المنضبط الذي بني الحكم عليه؛ لأنه مظنة لحكمته؛ ولأن بناء الحكم عليه من شأنه أن يحققها، وهو المراد بالعلة في
نام کتاب : علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع - ط المدني نویسنده : عبد الوهاب خلاف جلد : 1 صفحه : 62