فَصْلٌ:
وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَنِي قَوَاعِدُ، مِنْهَا[1] أنه ليس للمقلد2 أن تتخير3 في [1] أي: متى ثبت الأصل المتقدم، وهو أن الشريعة ترجع إلى قول واحد، لزم أنه ليس للمقلد أن يتخير؛ لأنه لا يكون ذلك إلا إذا كانت الشريعة موضوعة على تعدد الحكم واختلاف الرأي في الشيء الواحد، إلا أن هذا الموضع نفسه تقدم له في معارضة المسألة، ثم رده وأقام الدليل على غرضه من عدم تخير المقلد، لكنه بسط الكلام عليه في هذا الفصل؛ فلهذا أعاده.
وقد ذكر الأصوليون في تخيير المقلد مسألة خلافية، وهي أنه هل للعامي أن يسأل من يشاء من المفتين، أم أنه لا بد من ترجيحه في سؤاله وأخذه عن الراجح منهم في نظره ويكفيه الشهرة؟ وهذا هو رأي أحمد بن حنبل وابن سريج والقفال من أصحاب الشافعي وجماعة من الفقهاء والأصوليين، مخالفين لرأي القاضي أبي بكر وجماعة من الفقهاء والأصوليين القائلين بالتخيير، سواء أتساووا أم تفاضلوا، واستدلوا بأن الصحابة كان فيهم الفاضل والمفضول، وكان فيهم العوام، ولم ينقل عن أحد من الصحابة تكليف العوام بالاجتهاد في أعيان المجتهدين، ولو كان التخيير غير جائز؛ لما تطابق الصحابة على عدم إنكاره، قال الآمدي "في "الإحكام" "4/ 318" في نهاية المسألة: "ولولا إجماع الصحابة على ذلك؛ لكان القول بمذهب الخصوم أولى" ا. هـ. والظاهر أن هذا الدليل لا ينهض بإزاء موضوع المؤلف؛ فإن غاية ما أفاده الدليل تخيير العامي في استثناء أي صحابي شاء، أما إذا ذهب إلى صحابيين، فأفتياه بمختلف الأقوال؛ فليس في هذا الدليل ما يدل على التخيير فيه، وهو الذي يتكلم فيه المؤلف ويبرهن على عدم جوازه، وهو غير أصل المسألة المختلف فيها على ما نقلناه؛ فلا يأتي فيه دليل القاضي ومن معه، وليس محل إجماع الصحابة، وحينئذ فيتم فيه قول الآمدي: "إن مذهب الخصوم أولى"، ويتم للمؤلف مطلوبه. "د".
قلت: انظر في المسألة: "المحصول" "6/ 81"، و"البحر المحيط" "6/ 311"، و"التمهيد" "4/ 403"، و"المستصفى" "2/ 390"، و"البرهان" "2/ 1342-1344"، و"المنخول" "479"، و"الإحكام" "4/ 317" للآمدي، و"شرح تنقيح الفصول" "432"، و"تيسير التحرير" "4/ 351"، "فواتح الرحموت" "2/ 404"، و"إحكام الفصول" "ص729"، و"إرشاد الفحول" "271"، و"المسودة في أصول الفقه" "462، 518"، و"جمع الجوامع" "2/ 395 مع شرح المحلي"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 262 و20/ 202"، =