الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
إِنَّمَا تَحْصُلُ[1] دَرَجَةُ الِاجْتِهَادِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِوَصْفَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: فَهْمُ[2] مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ عَلَى كمالها. [1] سيأتي في المسألة الخامسة والسادسة ما يفيد أن هذا الحصر ليس تحقيقًا، وأنه بالنسبة لبعض أنواع الاجتهاد فقط، وأن بعضها يحتاج لأكثر من الوصفين، وبعضها لا يتوقف عليهما. "د". [2] لم نر من الأصوليين من ذَكَر هذا الشرط الذي جعله الأول، بل جعله السبب، أما التمكن من الاستنباط؛ فهو الذي اقتصرت عليه كتب الأصول المشتهرة، وجعلوه يتحقق بمعرفة الكتاب والسنة، أي ما يتعلق منهما بالأحكام، ثم بمعرفة مواقع الإجماع، وشرائط القياس، وكيفية النظر، وعلم العربية، والناسخ والمنسوخ، وحال الرواة، وهذه هي المعارف التي أشار إليها المؤلف، ثم رأيت في "إرشاد الفحول" "ص258" للشوكاني نقل الغزالي [في "المنخول" "ص366-367" وهو مأخوذ -كما هو معلوم- عن إمام الحرمين الجويني، والمذكور في كتابه "البرهان" "2/ 927، 338"] عن الشافعي -بعد بيان مفيد ينبغي للمجتهد أن يعمله؛ قال: "ويلاحظ القواعد الكلية أولًا، ويقدمها على الجزيئات، كما في القتل بالمثقل، فتقدم قاعدة الردع على مراعاة الاسم، فإن عدم قاعدة كلية نظر في النصوص ومواقع الإجماع" ا. هـ. وهذا بعينه ما يشير إليه المؤلف هنا، وأوضحه إيضاحًا كافيًا في المسألة الأولى من كتاب الأدلة؛ إلا أنه يبقى الكلام فيما نقله في "التبصرة" "1/ 56 - لابن فرحون" عن القرافي في نقض حكم الحاكم إذا خالف القياس والنص والقواعد، حيث قال: "ما لم يكن هناك معارض لها؛ فلا ينقض الحكم إجماعًا، كما في صحة عقد القراض، والمساقاة والسلم والحوالة ونحوها؛ فإنها على خلاف قواعد الشرع والنصوص والقياس، ولكن الأدلة الخاصة مقدمة على القواعد والنصوص والأقيسة"، ولا يخفى مخالفة هذا لما قرره المؤلف هنا، وما سبطه سابقًا، وما نقله الغزالي عن الشافعي، اللهم إلا إن يقال: معنى تقديم الدليل الخاص على القواعد في كلام القرافي تخصيصه لها، والأخذ به في موضع المعارضة إذا لم تتحقق استقامة الحكم بالكلي فيه؛ كالعرايا وسائر المستثنيات، كما تقدم للمؤلف هناك. "د".
قلت: ذكر ابن السبكي في "جمع الجوامع" "2/ 383" نقلًا عن والده في تعريف "المجتهد": "هو مَن هذه العلوم ملكة له، وأحاط بمعظم قواعد الشرع، ومارسها بحيث اكتسب قوة =