الْأُخْرَوِيِّ؛ فَيَجِيءُ[1] مِنْهُ جَوَازُ الْإِيثَارِ فِي الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ.
وَهَذَا الْمَعْنَى لَحَظَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِيثِ: "وَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [2]، فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ صِحَّةَ الْإِيثَارِ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ؛ إِذْ كَانَ إِنَّمَا يَدْعُو[3] بِدَعْوَتِهِ الَّتِي أُعْطِيهَا فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ لَا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا.
فَإِذَا بَنَيْنَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ[4]؛ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ مَا قَالَهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكُنُهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ دُنْيَاهُ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا قَدْحَ فِيهِ يُنْسَبُ إِلَيْهِ؛ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُحِبُّ مِنَ الدُّنْيَا أَشْيَاءَ، وَيَنَالُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا أُبِيحَ لَهُ، وَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي أمور؛ كحبه للنساء، والطيب5، [1] أي: يفرع عليه جواز ذلك، ولا بد له أن يجعل في طي حسن ظنه أنه إنما أعطاه لصديقه ليتصدق به؛ حتى يتم له الاستنباط. "د". [2] أخرجه البخاري في "صحيحه" "كتاب الدعوات، باب لكل نبي دعوة مستجابة 11/ 96/ رقم 3604، وكتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة 13/ 447/ رقم 7474"، ومسلم في "صحيحه" "كتاب الإيمان، باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته 1/ 188-190/ رقم 198" عن أبي هريرة مرفوعًا: "لكل نبي دعوة مستجابة يدعو بها، وأريد أن أختبئ دعوتي؛ شفاعة لأمتي في الآخرة". لفظ البخاري.
وأخرجه البخاري في "صحيحه" "رقم 6305"، ومسلم في "صحيحه" "رقم 210" عن أنس نحوه.
وأخرجه مسلم في "صحيحه" "رقم 201" عن جابر مرفوعًا، وفي آخره: "وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". [3] أي: فحسن الظن به صلى الله عليه وسلم أنه يدعو بها لأمر أخروي؛ فآثر أمته عن نفسه في أمر أخروي. "د". [4] وهو أن الصواب أنه غير معتدٍّ به شرعًا للأدلة السابقة، فلنا أن نردَّ ما لحظه هذا البعض؛ فنقول: إن ما قاله ... إلخ. "د".
5 مضى بيان ذلك وتخريجه في "2/ 240".