فَهَذَا مِنْ سَلْمَانَ حُسْنٌ مِنَ النَّظَرِ، فَهُوَ جَارٍ فِي مَسْأَلَتِنَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَالْبِدَعُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا وَاجْتِنَابِ أَهْلِهَا وَالتَّحْذِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّشْرِيدِ[1] بِهِمْ وَتَقْبِيحِ مَا هُمْ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذِكْرُ ذَلِكَ وَالتَّنْبِيهُ عَلَيْهِ غَيْرَ جَائِزٍ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ فِي الْجُمْلَةِ[2] عَلَيْهِمْ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنْهُمْ كَالْخَوَارِجِ، وَنَبَّهَ عَلَى الْبِدَعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَأَنَّ الْأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى تِلْكَ الْعُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَأَشَارَ إِلَى خَوَاصَّ عَامَّةٍ فِيهِمْ وَخَاصَّةٍ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْيِينِ غالبًا تصريحًا يقطع الْعُذْرِ[3]، وَلَا ذَكَرَ فِيهِمْ عَلَامَةً قَاطِعَةً لَا تَلْتَبِسُ[4]، فَنَحْنُ أَوْلَى بِذَلِكَ مَعْشَرَ الْأُمَّةِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ[5] مِنْ ذَلِكَ فَبِحَسَبِ فُحْشِ تِلْكَ الْبِدَعِ، وَأَنَّهَا لَاحِقَةٌ فِي جَوَازِ ذِكْرِهَا بِالْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ، مَعَ أَنَّ التَّعْيِينَ إِذَا كَانَ بِحَسَبِ الاجتهاد، فهو [1] في "د": "والتشديد" بدالين!! [2] أي: تنبهًا إجماليًا لا تفصيليًا. "د". [3] حتى لا يسد عليهم باب التوبة بسبب العناد واليأس من رحمة الله. "د". وفي "د": "لقطع العذر". [4] أي: في غالبهم كما نبه عليه، أما مثل الخوارج، فقد تقدم له ذكر العلامة القاطعة "د". [5] من عد أهل البدع وتعيينهم بأسمائهم وإيصال هذه الفرق إلى اثنتين وسبعين فرقة، وقوله: "إذا كان بحسب الاجتهاد"، أي: كما هو الشأن في تعيين المتقدمين لهذه الفرق، أي فليس هذا التعيين جاريًا مجرى الحكم الفصل، وقد عقد في "الاعتصام" "2/ 718-720 - ط ابن عفان" مسألة خاصة لتعيين هذه الفرق الاثنتين والسبعين. "د".