فصل:
وقد بنوا أيضً عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مَسْأَلَةً أُخْرَى، وَهِيَ:
هَلْ يَجِبُ الْأَخْذُ بِأَخَفِّ الْقَوْلَيْنِ، أَمْ[1] بِأَثْقَلِهِمَا[2]؟ وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِالْأَخَفِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْر} الْآيَةَ: [الْبَقَرَةِ: 185] .
وَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} [الْحَجِّ: 78] .
وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ" [3].
وقوله: "بعُثِْتُ بالحنيفيَّةِ السَّمحة" [4].
كل ذَلِكَ يُنَافِي شَرْعَ الشَّاقِّ5 الثَّقِيلِ، وَمِنْ جِهَةِ القياس أن الله غني [1] في "ف" و"م": "أو". [2] حكاه أبو منصور عن أهل الظاهر، وهذا القول ومقابله لا يصحان؛ لأن الواجب -كما قال المؤلف- الرجوع للدليل الشرعي لا غير، وسواء أقضى بالأخف أم بالأثقل، ثم في القول بالأخذ بالأخف مطلقًا ما تقدم من المفاسد التي أشيير إليها في الفصل السابق. "د".
قلت: والقائلون بالأخذ بأثقل القولين ذهبوا إليه للاحتياط!! ويرد عليهم بأن الاحتياط هو "الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة، وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من غير غلو ومجاوزة، ولا تقصير، ولا تفريط، فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله" قاله ابن القيم في كتابه "الروح" "ص346". انظر في المسألة: "البحر المحيط" "6/ 322-323، 325-326"، و"البرهان" "2/ 1344"، و"شرح الكوكب المنير" "4/ 581"، و"المستصفى" "2/ 391"، و"روضة الناظر" "3/ 1026"، و"المسودة" "463-464"، و"تسير التحرير" "4/ 255"، و"إرشاد الفحول" "271"، و"جمع الجوامع" "2/ 392 - مع شرح المحلي"، و"إغاثة اللهفان" "1/ 162-163"، و"الاختلاف وما إليه" "103-104". [3] مضى تخريجه "2/ 72". [4] مضى تخريجه "2/ 211".
"5" في "ماء": "المشاق".