الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
الْمَنْدُوبُ مِنْ حَقِيقَةِ اسْتِقْرَارِهِ مَنْدُوبًا أَنْ لَا يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاجِبِ، لَا فِي الْقَوْلِ وَلَا فِي الْفِعْلِ، كَمَا لَا يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الِاعْتِقَادِ، فَإِنْ سُوِيَّ بَيْنَهُمَا فِي الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ؛ فَعَلَى وَجْهٍ[1] لَا يُخِلُّ بِالِاعْتِقَادِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ بِأُمُورٍ:
أَحَدُهَا:
أَنَّ التَّسْوِيَةَ فِي الِاعْتِقَادِ بَاطِلَةٌ بِاتِّفَاقٍ، بِمَعْنَى أَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَالْقَوْلُ أَوِ الْفِعْلُ إِذَا كَانَ ذَرِيعَةً إِلَى مُطْلَقِ[2] التَّسْوِيَةِ وَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يُمْكِنَ ذَلِكَ إِلَّا بِالْبَيَانِ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِ الْمَقْصُودِ بِهِ التَّفْرِقَةُ، وَهُوَ تَرْكُ الِالْتِزَامِ فِي الْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَاصَّةِ كَوْنِهِ مَنْدُوبًا.
وَالثَّانِي:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعث هَادِيًا وَمُبَيِّنًا لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ[3] فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ؛ كَنَهْيِهِ عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ أَوْ لَيْلَتِهِ [1] في الأصل: "فلا وجه"، وفي حاشيته: "لعل الصواب: "فلا بد من وجه لا يخل بالاعتقاد"، وترجمة المسألة على هذا هو أن التفريق بين الواجب والمندوب إذا استويا في القول والفعل مطلوب من كل فرقة، هذا حاصل المسألة، ويعني بذلك أن الأمر إذا كان للندب وجب بيانه لئلا يلتبس بالواجب، لأنه مساوٍ له في الدلالة القولية الأمرية، وكذا إذا واظب القدرة على فعلين وكان أحدهما واجبًا والآخر مندوبًا؛ وجب عليه بيان المندوب منهما خيفة اعتقاد وجوبه" ا. هـ. [2] أي: التسوية المطلقة؛ أي: التامة التي يدخل فيها المساواة في الاعتقاد، أما التسوية في القول والفعل فقط؛ فجعلها صحيحة، إذا كانت على وجه لا يخل بالاعتقاد في المندوب بجعله واجبًا، لكنه قال في صدر المسألة: "إن التسوية بين المندوب والواجب ليست من حق المندوب، لا في القول، ولا في الفعل أيضًا" فيؤخذ من آخر الكلام بيان معنى صدره، وأن كونها ليست من حقه لا يقتضي بطلانها مطلقًا. "د".
قلت: انظر "أفعال الرسول, صلى الله عليه وسلم" "1/ 91" للأستاذ محمد الأشقر. [3] أي: البيان بالقول كما في المسلك الأول، وبالفعل كما في المسلك الثاني. "د".