الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
إِذَا ثَبَتَتْ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ أَوْ مُطْلَقَةٌ[1]. فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا مُعَارَضَةُ قَضَايَا الْأَعْيَانِ، وَلَا حِكَايَاتِ[2] الْأَحْوَالِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْقَاعِدَةَ مَقْطُوعٌ بِهَا بِالْفَرْضِ؛ لِأَنَّا إِنَّمَا نَتَكَلَّمُ فِي الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَقَضَايَا الْأَعْيَانِ مَظْنُونَةٌ أَوْ مُتَوَهَّمَةٌ، وَالْمَظْنُونُ لَا يَقِفُ لِلْقَطْعِيِّ وَلَا يُعَارِضُهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَاعِدَةَ غَيْرُ مُحْتَمِلَةٍ لِاسْتِنَادِهَا[3] إِلَى الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ، وَقَضَايَا الْأَعْيَانِ مُحْتَمِلَةٌ؛ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ[4] عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهَا، أَوْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَهِيَ مُقْتَطَعَةٌ وَمُسْتَثْنَاةٌ[5] مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ؛ فَلَا يُمْكِنُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إِبْطَالُ كُلِّيَّةِ الْقَاعِدَةِ بِمَا هَذَا شَأْنُهُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَضَايَا الْأَعْيَانِ جُزْئِيَّةٌ، وَالْقَوَاعِدُ الْمُطَّرِدَةُ كُلِّيَّاتٌ، وَلَا تنهض [1] لم ترد مقيدة، وقوله: "قضايا الأعيان" كما ورد مسحه -صلى الله عليه وسلم- على عمامته*، فلا يؤثر ذلك في قاعدة وجوب مسح نفس الرأس في الوضوء، ويكون مسح العمامة متى كانت روايته قوية مستثنى للعذر بجرح أو مرض بالرأس يمنع من مباشرة المسح عليها، وكما سيأتي في الفصل التالي في قضية قتل موسى للقبطي. "د".
قلت: انظر عن تخصيص العام بقضايا الأعيان: "البحر المحيط" "3/ 405" للزركشي. [2] كالحكايات التي [ستأتي "ص59"] ** عن عثمان وعمر من تركهم في بعض الأحيان ما هو مشروع باتفاق كالأضحية خوفًا من اعتقاد الناس فيه غير حكمه كالوجوب مثلًا. "د". [3] أي: فالأدلة القطعية التي أنتجت هذه القاعدة حددت معناها بحيث صارت لا تحتمل إرادة غير ظاهرها. "د". [4] في "ط": "لأن تكون ... ". [5] أي: مع بقاء العموم في الباقي بعد الاستثناء. "د".
* انظر تخريجه والتعليق عليه في "3/ 272".
** بدلها في المطبوع: "تقدمت".