وَيَبْقَى النَّظَرُ فِي وُجُودِ[1] مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الْقُرْآنِ، يَأْتِي عَلَى أَثَرِ هَذَا بِحَوَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ فِي السُّؤَالِ: "فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا عَلَيْهِ" مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ هَذَا الزَّائِدَ؛ هَلْ هُوَ زِيَادَةُ الشَّرْحِ عَلَى الْمَشْرُوحِ إِذْ كَانَ لِلشَّرْحِ[2] بَيَانٌ لَيْسَ فِي الْمَشْرُوحِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْحًا، أَمْ هُوَ زِيَادَةُ مَعْنًى آخَرَ لَا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ[3]؟ هَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ.
وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَتَنَزَّلُ[4] الْوَجْهُ الثَّانِي.
وَأَيْضًا؛ فَإِذَا[5] كَانَ الْحُكْمُ فِي الْقُرْآنِ إِجْمَالِيًّا وَهُوَ فِي السُّنَّةِ تَفْصِيلِيٌّ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ إِيَّاهُ؛ فَقَوْلُهُ: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} أَجْمَلَ فِيهِ مَعْنَى الصَّلَاةِ، وَبَيَّنَهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-, فَظَهَرَ مِنَ الْبَيَانِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمُبَيَّنِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى الْبَيَانِ هُوَ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ[6]، وَلَكِنَّهُمَا فِي الْحُكْمِ يَخْتَلِفَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ التَّوَقُّفُ، وَفِي الْبَيَانِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ، فَلَمَّا اخْتَلَفَا حُكْمًا صَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا مَعْنًى؛ فاعتبرت[7] السنة اعتبار المفرد عن الكتاب. [1] يعني: أين يوجد في القرآن ذلك الحكم الذي قضى به للزبير ولو إجمالًا أو احتمالًا؟ وقد أحال جوابه على المسألة الرابعة، كما أحال عليها الجواب عن الإشكال الثالث. "د". [2] في نسختي "ف" و"م": "في الشرح". [3] إنا لا نريد واحدًا بخصوصه كما علمت، بل يكفينا الشمول للاثنين، كما تدل عليه الآيات، فإن زعمت القصر على الشرح؛ فعليك بالدليل، ولا يصح أن يقال: إن شمول الدليل للمدعي محل النزاع، بل محل النزاع هو نفس المدعى. انظر: "حجية السنة" "ص512". [4] أي فيقال: قولكم "لما كانت السنة متروكة على حال" غير مسلّم، بل تكون متروكة لأنه لم يلتفت إلى ما فيها من البيان للمعنى الذي اشتمل عليه الكتاب. "د". [5] في الأصل: "وإذًا فإذا". [6] في "ط": "معنى المبين هو معنى البيان". [7] جواب عما يقال: إن ما أجيب به عن الأول لا يظهر في الثاني لا سيما الأحاديث الثلاثة الظاهرة في التغاير، وأنها فيما اشتملت عليه السنة مما لم يوجد أصله في القرآن، كما هو الظاهر من قوله, عليه السلام: "أوتيت القرآن ومثله معه"، وقوله: "وإن ما حرم رسول الله مثل الذي حرم الله"؛ فهو يقول: لما اختلفا حكمًا اعتبرت السنة مفردة عن الكتاب؛ فصح فيها التعبير بالمماثلة ونحوها من العبارات الواردة في الأحاديث، وانظر هل هذا الجواب بالكأنية مصحح للتعبير بالعبارات المذكورة وكاف لدفع الإشكال في تأصيل قاعدة كلية كموضوعنا؟ "د".