الدليل الثاني: السنة
...
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُطْلَقُ لَفْظُ "السُّنَّةِ" عَلَى مَا جَاءَ مَنْقُولًا عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْخُصُوصِ، مِمَّا لَمْ يُنَصَّ[1] عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، بَلْ إِنَّمَا نُصَّ عَلَيْهِ من جهته عليه الصلاة [1] قال في "المنهاج": "هي ما صدر منه -صلى الله عليه وسلم- من الأفعال والأقوال التي ليست للإعجاز، يعني ليست من القرآن، وقد تكون متضمنة لمعنى ورد فيه؛ فقوله: "مما لم ينص عليه في الكتاب" ليس معناه أنه يلزم في إطلاق السنة ألا تكون واردة في معنى قد تضمنه الكتاب العزيز، بل معناه مما لم يكن معتبرًا جزء من الكتاب بنفس ألفاظه، ويدل على هذا قوله: "كان بيانًا لما في الكتاب أو لا"؛ لأنه إنما يكون بيانًا له إذا كان الكتاب متضمنًا لأصل المعنى؛ فتجيء السنة شارحة ومبينة، وزاد بعضهم قيد: "مما ليس من الأعمال الطبيعية"، وتركه غيره لظهوره، وقوله: "كان ذلك مما نص عليه في الكتاب"؛ أي: وحده أو مع السنة أيضًا، وقوله: "أو لا" أي: بأن نص عليه في السنة فقط، وإنما حملناه على هذا ليصح كون هذا المعنى مغايرًا لما قبله وأعم منه، وقوله: "وإن كان العمل بمقتضى الكتاب"؛ أي: في بعض صور هذا الإطلاق، هذا وظاهر قوله أولًا: "بل إنما نص عليه من جهته" أن هذا الإطلاق خاص بالأقوال، ولا يشمل الأفعال، وقوله بعد: "عمل على وفق ما عمل عليه النبي -عليه السلام- مع ضميمة قوله، وكأن هذا الإطلاق إنما اعتبر فيه عمل صاحب الشريعة" يقتضي أن الإطلاق الثاني خاص بالأفعال، ولا يشمل الأقوال المتوجهة منه إلى غيره بالأوامر والنواهي فيما لا يتعلق به -عليه السلام- ويكون قول صاحب "المنهاج" وغيره: إن السنة ما صدر منه ... إلخ تعريفًا للإطلاق العام، ويكون كل من هذين الإطلاقين في كلام المؤلف خاصًّا، ويساعد على أن غرضه الخصوص في الإطلاقين قوله بعد: "وإذا جمع ما تقدم تحصل منه في الإطلاق أربعة أوجه"، وقد عد منها الإقرار وجهًا، وإن لم يصرح به في تفاصيل الإطلاقات؛ إلا أنه تقدم له عد الإقرار من الأفعال. "د".
قلت: وانظر في معنى السنة: "شرح الكوكب المنير" "2/ 166، 194"، و"الإحكام" للآمدي "1/ 196"، و"المحلى على جمع الجوامع" "2/ 94"، و"نهاية السول" "2/ 238"، و"تيسير التحرير" "3/ 19"، و"فواتح الرحموت" "2/ 97"، و"أصول السرخسي" "1/ 113"، و"التلويح على التوضيح" "2/ 2"، و"إرشاد الفحول" "33"، و"مجموع فتاوى ابن تيمية" "18/ 306-309 و22/ 540 و28/ 18، 378"، و"حجية السنة" "ص68".