بِالْهِجْرَةِ هَاجَرَ نَاسٌ لِلْأَمْرِ، وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ هَاجَرَ بِسَبَبِ امْرَأَةٍ أَرَادَ نِكَاحَهَا تُسَمَّى أُمُّ قَيْسٍ، وَلَمْ يَقْصِدْ مُجَرَّدَ الْهِجْرَةِ لِلْأَمْرِ؛ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يُسَمَّى: مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ, وَهُوَ كثير[1].
= المصنف لا صلة له بهذا الحديث، خلافًا لما هو مشهور، وقد وقع فيه ابن دقيق العيد في "الإحكام" "1/ 79-81"، ونبه على هذا الخطأ ابن رجب؛ فقال في "جامع العلوم والحكم" "1/ 74-75": "وقد اشتهر أن قصة مهاجر أم قيس هي كانت سبب قول النبي, صلى الله عليه وسلم: "من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها"، وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلًا بإسناد صحيح، والله أعلم"، وقال ابن حجر في "الفتح" "1/ 10": "لكن ليس فيه أن حديث الأعمال سيق بسبب ذلك، ولم أر في شيء من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك".
وقد أخرج سعيد بن منصور في "سننه"، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" "رقم 8540" عن الأعمش عن شقيق؛ قال: خطب أعرابي من الحي امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجته، فكنا نسميه مهاجر أم قيس. قال: فقال عبد الله, يعني ابن مسعود: "من هاجر يبتغي شيئًا؛ فهو له". وإسناده صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال ابن حجر.
وهذا السياق يقتضي أن هذا لم يكن في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما كان في عهد ابن مسعود، ولكن روي من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود؛ قال: كان فينا رجل خطب امرأة يقال لها: أم قيس، فأبت أن تزوجه حتى يهاجر، فهاجر فتزوجها؛ فكنا نسميه مهاجر أم قيس. قال ابن مسعود: "من هاجر لشيء؛ فهو له"، ورجاله ثفات؛ كما في "طرح التثريب" "2/ 25"، وعلى فرض ثبوت ذلك؛ فليس فيه أنه سبب ورود حديث عمر: "إنما الأعمال بالنيات"، ومنه تعلم القصور في صنيع المصنف، والله الموفق.
وانظر: "شرح شاكر لألفية السيوطي" "ص214". [1] اعتنى بمفردات "أسباب الورود": ابن حمزة الحسيني في كتابه "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف"، وقبله السيوطي في "اللمع في أسباب ورود الحديث"، وكلاهما مطبوع، وللبلقيني في "محاسن الاصطلاح" "633 وما بعدها" كلام جيد نحو ما عند المصنف، وانظر "أسباب ورود الحديث, تحليل وتأسيس" لمحمد رأفت سعيد "كتاب الأمة، رقم 37، ص102 وما بعدها"، ولصديقنا الشيخ طارق الأسعد دراسة مسهبة قيد الإعداد بعنوان: "علم أسباب ورود الحديث، ومنزلته في تفسير النصوص الشرعية، ومجال تطبيقه عند المحدثين والأصوليين"، وانظر في فائدة عيان النص: "الناسخ والمنسوخ" "2/ 163" لابن العربي، وفي ضرورة معرفة أسباب الورود أيضًا: "مسألة تخصيص العام بالسبب" "ص28-30".